رئيس التحرير
عصام كامل

بأمر الرئيس!


رأيت فيما يرى النائم، بين يقظة غير مستقرة ونوم غير مستغرق، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طلب عددا من مستشاريه للاجتماع بهم، وتسربت إلينا نحن جماعة الصحفيين بعضا من محاور النقاش التي كان على رأسها طرح الرئيس لسؤال مهم وجوهري على السادة المجتمعين معه: مصر إلى أين؟!


من بين مستشاريه من وقف خطيبا ليقول: مصر تحقق عبورا جديدا بقيادتك ياسيادة الرئيس، بينما كان هناك عدد من الحضور قد ارتسمت على وجوههم بعض علامات العبوس وعدم الرضا.

بذكائه الشديد بدأ الرئيس يتحدث عن ديناميكية العمل الوطني، وضرورة الاعتراف بحقائق الأمور، وعرج في كلامه إلى المشروعات القومية التي طرحها، وتساءل: هل كان الوقت مناسبا لطرح تلك المشروعات؟!

كانت إشارات الرئيس واضحة، حيث أراد أن تتسع دائرة الحوار، باختصار منح مستشاريه "الأمان".. هنا وقف الرجل الذي تحدث عن العبور المصري الجديد، وقال: لقد حذرنا ياسيادة الرئيس من تركيز مشروعاتنا الوطنية في هذه المرحلة بعيدا عن المكان المناسب وهو الإنتاج.. الإنتاج ياسيادة الرئيس هو المحرك الرئيسي لأى تجربة.

انبرى واحد من فريق الصامتين، قائلا: سيادة الرئيس أين شركاء الأمس؟.. لقد اختفت وجوه وطنية كنا بحاجة إليها، اختفت عمدا أو قهرا أو تجاهلا، إذا نظرنا إلى شركاء ٣٠ يونيو سنجد أن فريقا منهم تم استبعاده بشكل أساء إلى ثورتنا ضد الفاشية الدينية، ليدخلنا إلى مناطق لم تكن هي أحلام المصريين الثائرين على حكم الجماعة، بعضهم اكتأب، وآخرون يفكرون في الهجرة، وفريق ثالث يمارس الصمت اعتراضا واحتجاجا، وقليل منهم يطارده الموت كمدا، وفريق آثر الاختفاء قسرا وراء إحساسه بالهزيمة.

هنا وقف أحد المستشارين وقال: الصورة ليست على هذا النحو من الإحباط.. لا تصدروا هذه الصورة إلى الأجيال الجديدة، في مصر الآن مشروعات عظيمة، صحيح لن يكون عائدها سريعا، وصحيح ليست إنتاجية باستثناء المشروع الزراعي، وصحيح لدينا أزمة دولار، وتضخم وانفلات أسعار إلا أن كل هذه الأعراض لا توحي بأننا على حافة الانهيار، كما يحاول البعض تصوير الأمر.

قاطعه واحد من الخبراء وهو يقول: نحن هنا لأن الرئيس استشعر الخطر، ونحن أيضا نستشعره منذ فترة، لم نتحرك في الملف السياحي كما يجب، تركناه للهواة، وأهملنا الإنصات للقطاع الخاص، وجعلنا أمر مخاطبة السائح في الخارج بيد من لاحول له ولا قوة، أيضا تحدثنا عن جذب الاستثمارات، مع أننا نرزح تحت نير احتلال الروتين والفساد، وكل عقد وخوازيق الموظف التقليدي، الذي ترتعش يداه دون أن يوقع على أوراق قد تكون سببا في سجنه.

وأضاف الخبير: سيادة الرئيس إننا نعرف حجم التحديات، وندرك حجم الخطر المحدق بنا، غير أننا أهملنا ماهو أبعد من ذلك، فإن كنا نواجه خطر المؤامرة فلا يجب أن نكون جزءا منها.. إن شعبنا لديه القدرة على مواجهة ذلك غير أننا تركناه، لم ننصت جيدا إلى أصوات الآخرين.. اختطفنا العمل الوطني وحدنا وتصورنا أنفسنا قادرين عليه دون مشاركة الآخرين وهذا غير حقيقي.. عبد الناصر صنع تجربته بالشعب، ونحن نصنع تجربة تتجاهل الناس، رغم أن الناس هم صناعها وأساسها.

هنا قاطعه مستشار شاب وهو يقول: إن كل مشروعات الرئيس تضع الشعب في أول الصف، انظر كيف اتسعت رقعة الضمان الاجتماعي، كيف يصل الدعم إلى الفقراء والبسطاء، انظر لترى حزمة الضمانات، انظر إلى مواجهة الوحش الكاسر المسمى "فيروس سي"، انظر إلى مشروعات الإسكان الاجتماعي.. هل في عيونكم رماد لدرجة أنكم تغفلون كل هذه الإضاءات؟!

تدخل الرئيس مؤكدا أن الهدف من الاجتماع طرح كافة الرؤى، لا تهميش، ولا إقصاء، ولا تخوين.. نحن أمام مشكلة مصيرية، ولا بد لها من حل، ولقد اجتمعت بكم لتفعيل لغة الحوار والخروج من المأزق.. هنا ساد صمت رهيب في القاعة، تدخل على إثره أحدهم، والذي لم تكن ملامحه واضحة في المنام، وهو يقول: سيادة الرئيس هنا مربط الفرس، لأنك تفاجئ الشعب بمشروعات يوميا، والشعب ليس جزءا من إنجازاتها، ولذا فإن الأمر بحاجة إلى توسيع دائرة النقاش.

استطرد الرجل: اجمع الأحزاب السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني ليكونوا جزءا من الحل.. لا حل دون مشاركة الجميع.. المشكلة مصرية ومصيرية، والشعب ممثلا في نقاباته وعماله وفلاحيه وأحزابه ومؤسساته هو صاحب القول الفصل.. هو من يجب أن يتحمل عبء المسئولية.. لا تتحملها وحدك ولا تنفرد بها، كل الناس يعرفون لك الفضل في مواجهة الخطر منذ بدايته، ولكنهم سيادة الرئيس كانوا المحرك الرئيسي للتغيير، ويجب أن يظلوا هم وقود التجربة.

هنا ضجت القاعة بالتصفيق.

وعلى إثر ذلك وجه الرئيس إلى عقد المؤتمر الأول للقوى الوطنية تحت شعار «مصر إلى أين؟» ودعا المجتمعين إلى وضع الأطر العامة للمؤتمر الأول للقوى الوطنية على أن تدعى كافة القوى دون استبعاد أحد.. وطلب من الجميع الاصطفاف ونبذ الخلافات والعمل بروح الفريق للوصول إلى الأمل المنشود.

انتهى الاجتماع دون أن أستيقظ من حلم يراود كل الوطنيين، يدعو من خلاله الرئيس إلى عقد المؤتمر الأول للقوى الوطنية المصرية، لتتحمل مسئولياتها الوطنية أمام مشهد يزداد انحرافا عن المسار المأمول، سواء تم ذلك بنيات حسنة، أو بسوء تقدير، أو بانفراد غير مطلوب.. الأهم الآن أن يجتمع الفرقاء من أجل مصر.. مصر تستحق أن نجتمع عليها خلف قيادة سياسية لا نشك لحظة في وطنيتها.
الجريدة الرسمية