رئيس التحرير
عصام كامل

«ضحايا البنك الدولي».. البرازيل تغرق في القروض بسبب تراكم الديون.. الأرجنتين تبيع مواردها الأساسية.. تحرير سعر العملة وزيادة قيمة الضرائب ثمار تطبيق سياسات البنك.. وخبراء يحذرون من مفاوضات ا

البنك الدولي
البنك الدولي

"عندما تكون الأمة في حالة اضطراب، يستغل صندوق النقد الدولي هذا الظرف ويضغط على الضحية ويعتصرها لسحب آخر قطرة دم من عروقها" مقولة سجلها التاريخ لمدير الإقتصاديين المفصول من البنك الدولي جوزيف ستيغليتز"، وصف بها ما تفعله سياسات البنك الدولي مع الدول النامية - على حد تعبيره.


غالبية المنظمات الدولية لا تعمل إلا بما يخدم مصلحتها بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، هكذا هو البنك الدولي وشقيقه صندوق النقد الدولي – بحسب تحليلات الخبراء والمؤرخين حيث سجل التاريخ عدة ضحايا للبنك الدولي الذي بدأ مفاوضاته مع القاهرة، على منح حكومة شريف إسماعيل نحو 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات لدعم البرنامج الاقتصادي للحكومة.

وتأتي دولتي البرازيل والأرجنتين الواقعتان في أمريكا الجنوبية، على رأس ضحايا المنظمة الاقتصادية العالمية المعروفة بالبنك الدولي.

البرازيل
بدأت أزمة البرازيل – المستمرة حتى الآن – مع البنك الدولي في فترة السبعينيات خلال الديكتاتورية العسكرية البرازيلية، عندما لجأت الحكومة البرازيلية المتمثلة في عسكريين، إلى البنك الدولي للاقتراض بحجة إنشاء مشروعات للبنية التحتية، الأمر الذي وافق عليه البنك الدولي ومنح مليارات الدولارات للبرازيل، واستُخدمت القروض لتمويل مشروعات ضخمة مثل السدود التي لم يف الكثير منها حتى بالأهداف التي وضعت من قبل البنك الدولي بناءً على دراساته.

ومع تراكم الفوائد والديون على البرازيل والضغوط الممارسة من قبل البنك الدولي، قررت الحكومة البرازيلية خلال الثمانينيات، اقتراض أموال جديدة لسداد فوائد القروض القديمة.

لتسمى الحقبة ما بين عامي 1985 و1989 بـ"العقد الضائع" من حياة البرازيل عندما شهدت تلك الفترة نقل هائل للثروة الوطنية إلى خارج البلاد حيث دفعت الحكومة البرازيلية نحو 148 مليار دولار - منها 90 مليار دولار لفوائد القروض الأجنبية.

وفي تقرير للبنك الدولي صدر عام 1991، قدر البنك بأن 55 % من مشاريعه في البرازيل فشلت.

وفي التسعينيات، وصلت البرازيل إلى الحضيض مع تراكم الديون وضغوط البنك الدولي في ظل تعاقب سلسلة من الحكومات المدنية، ليُرغم البنك الدولي - البرازيل على تبني سياسات تقشفية مع رفع القيود التنظيمية عن الصناعات، وبيع مؤسسات الدولة، وخفض الإنفاق الحكومي، إضافة إلى رفع قيمة الضرائب على المواطنين.

وفي أواخر التسعينيات، أسرع الرئيس البرازيلي "كاردوسو" بتنفيذ رؤية البنك الدولي الإصلاحية، فتم بيع شركة الهاتف الحكومية المربحة وشركة التعدين المربحة المملوكة ملكية عامة، لشركات متعددة الجنسيات، وتم تخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية إلى أن أخرق الفقر وانخفاض الدخل وارتفاع الأسعار – المواطنين.

الأمر الذي لم ينجح في توفير المبالغ الطائلة المتمثلة في فوائد قروض البنك الدولي، ليُضطر " كاردوسو" في نوفمبر من عام 1999 إلى وضع إدارة البرازيل تحت رحمة صندوق النقد الدولي بدرجة أكبر عندما وافق على حزمة قروض جديدة من الصندوق مقدارها 5،41 مليار دولار، ما ادى إلى تدخل البنك الدولي في الحكم المباشر للبرازيل، وتحديد سياسات الدولة وتقسيم أراضيها ورفع قيمة الضرائب وتخفيض قيمة العملة إلى درجات كارثية، حتى وصل الاقتصاد البرازيلي إلى مرحلة ركود طويلة الأجل مما أدى بالبلد إلى الخراب.

الأرجنتين
أما بالنسبة للأرجنتين، فكان بيع موارد الدولة الأساسية وخصخصتها من نصيب ثامن أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، فبعد تنفيذها لخطة البنك الدولي بدون تردد خلال التسعينيات، وصلت الأرجنتين إلى القاع،وتمثلت خطة البنك الدولي في عدة خطوات، أولها تحرير سعر العملة الأرجينتينية " البيزو" مقابل الدولار.

وتمثلت الخطوة الثانية في الخصخصة وبيع موارد الدولة، فباعت الأرجنتين طوال فترة التسعينيات ما سمّاه الارجنتينيون "مجوهرات الجدّة" النفط والغاز، والمياه، وشركات الكهرباء والبنوك الحكومية، لتكون شبكات المياه الريفية من نصيب شركة "فيفندي" الفرنسية، وفازت "انرون تكساس" بأنابيب نقل النفط، وتولت إحدى شركات الاستثمار من الولاية الأمريكية "بوسطن" - البنوك المحلية.

ومع استمرار ضغوط البنك الدولي، خصخصت الأرجنتين حتى نظام الضمان الاجتماعي، وتم تحويل الكثير من تخصيصاتها إلى حسابات خاصة.

وتبعت تلك الخطوة ارتفاع نسبة البطالة – الأمر الذي اعترف به البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بارتفاع نسبة البطالة في العاصمة "بوينس آيرس" من 17 % إلى 22 % - لينتج من تلك القرارات، أعمال العنف والنهب التي هزت المدينة في ديسمبر من عام 2001.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، إنما مارس البنك المركزي ضغوطه على الأرجنتين لتتبع سياسة جديدة – هي الأسوأ من نوعها – وهي خصخصة مياه الشرب بنظام حق الامتياز لصالح الشركات الأجنبية الكبرى – والتي تعد من شركاء وممولي البنك الدولي، لترتفع أسعار مياه الشرب بنحو 177%.
الجريدة الرسمية