حوت البحر.. وحيتان البر!
«عديم الأسنان، ولا داعي للخوف منه؛ لأنه من الحيتان المسالمة».. هكذا قالت وزارة البيئة؛ مُطَمْئِنةً المصطافين في مارينا، والساحل الشمالي، من «الحوت» الذي ظهر بالقرب من الشاطئ.
«البيئة» واصلت طمأنتها قائلة إن الحوت من النوع «المزعنف»، ويتغذى -فقط- على القشريات والأسماك الصغيرة التي توجد في البحر، وهناك بعض الدول تستغل ذلك النوع اقتصاديًا للترويج لها.. وطالبتنا بالحفاظ عليه؛ لأنه «أوشك على الانقراض».
نحن نصدق وزارة البيئة -باعتبارها لسان الحكومة- أن الحوت المزعنف عديم الأسنان، ولا خوف من الاقتراب منه.. بل إن بعض المصريين أرادوا السفر إلى مارينا؛ لالتقاط «سيلفي» مع الحوت، غير عابئين بخطورته.
نعم.. نحن نصدق أن الحوت المذكور «ليس مصريًا»، ولم يحصل على تأشيرة رسمية للدخول إلى الأراضي المصرية، وربما كان أحد ضحايا «الهجرة غير الشرعية»، وهرب من وطنه «الظالم» إلى مصر «العادلة».
نعم.. هذا عن الحوت «منزوع الأسنان»، الذي لم يُدرج اسمه على قوائم «ترقب الوصول». لكن ماذا عن حيتان البر المسلحين بأسنان حادة، وأنياب قوية، ومخالب مسمومة، ويحيطون أنفسهم بشركات أمن متنقلة، ولا يسمحون لأحد بالاقتراب منهم؟
نحن نصدق أن حوت «البحر» لن يهاجم أحدًا.. لكن ماذا عن «حيتان الأرض» الذين يهاجمون المصريين بضراوة، وينهشون لحم المواطن ويمصون دماءه؟
نحن نصدق أن الحوت «المزعنف» من الأنواع التي توشك على الانقراض.. لكن ماذا عن «حيتان البر» الذين يتكاثرون ويزداد نموهم في مصر يومًا بعد يوم؟!
ماذا عن «حوت السياحة» الهارب «منصور حامد الشيتي»، الذي تكلف حفل زفاف نجله كريم «5 ملايين يورو»، أي أكثر من «60 مليون جنيه مصري»؟
ماذا عن «الحيتان» الذين استولوا على آلاف الكيلومترات من أراضي الدولة على الطرق الصحراوية الثلاثة «القاهرة- الإسكندرية، القاهرة- السويس، والقاهرة- الإسماعيلية»، وفي سيناء، والساحل الشمالي.. أو تحصلوا عليها بثمن بخس لا يزيد على 50 جنيهًا للفدان، أو وضعوا أيديهم عليها، أو تملكوها بمستندات مشبوهة، أو حصلوا عليها بغرض استصلاحها وزراعتها، فحولوها إلى فيلات ومنتجعات وقصور، وضيعـوا على الدولة مئات المليارات؟
ماذا عن «الحيتان» الذين يستوردون «السكر» بأثمان زهيدة، ويكسبون من وراء بيعه في السوق المحلية مبالغ طائلة، دون أن تتدخل الحكومة لوقف هذه المهزلة لصالح مصانعنا الوطنية؟
ماذا عن «الحيتان» الكبار الذين يحتمون في تجارة «القمح»، ويستوردون «القمح المسرطن»، وأردأ الأنواع بمبالغ زهيدة، ثم يوردون هذه الأقماح إلى «الشون الحكومية» باعتبارها إنتاجًا محليًا؛ حاصدين مئات الملايين من فارق السعر؟
ماذا عن «الحيتان» في النقل البحري والبري، والأسمنت، والحديد، والأدوية، والتعليم الخاص، والزيت المدعم، والأرز التمويني، والبورصة، والألبان، والأجبان، واللحوم المصنعة، واللحوم المستوردة، والمحليات...»؟
إن الأهم من تكثيف وزارة البيئة جهودها لـ«محاصرة الحوت المسالم»، تكثيف «السلطة» جهودها لحماية المواطنين من جشع واستغلال «حيتان البشر».. فالمرحلة الراهنة لا تستدعي «الطبطبة» على رجال الأعمال الفاسدين، ولا على أثرياء الحكومة من أصحاب الرواتب الفلكية، والمكافآت والبدلات «المليونية» الذين لم يؤدوا التزاماتهم تجاه الدولة والمواطن.. وأي تقاعس في مواجهة وتحجيم هؤلاء ستكون عواقبه وخيمة.
*****
فاصلة منقوطة
الأسوأ من الفساد «حاميه».. والأخطر منه «بيئته الحاضنة»!