الانحراف الثورى
يتصور البعض أن انحرافا ثوريا قد حدث في مصر بعد ٣٠ يونيو، حيث تغلبت نعرة تخوين ٢٥ يناير بكل مافيها، وتم تغييب عناصر القوة التي شاركت في ثورة ٣٠ يونيو، غير أن هؤلاء الذين يتصورون أن انحرافا ثوريا هو التعبير الدقيق لوصف الواقع لم يقرأوا التاريخ.
ثورات كثيرة تتخلص من أبنائها أو من محركيها، وقد يرى البعض أن الخلاص من كل القوى المشاركة في ثورة ٣٠ يونيو أمر طبيعي، حيث يرغب الحاكم الذي وصل إلى موقعه وفق انتخابات حرة شارك فيها الثوار وغيرهم، في الانفراد بإدارة دفة البلاد، ليستطيع أن يحقق إنجازات لا يمكن تحقيقها في ظل وجود قوى معطلة، وهي قوى الثورة والثوار.
قد يري النظام الجديد أن أعدادا كبيرة من المشاركين في خلع الإخوان لديهم مطامع، ويجب التخلص منهم نهائيا، وقد يرى أن الظرف الذي تتعرض له البلاد يفرض عليه مساحة من الانفراد بالرأي، وهو مايحدث الآن، وهو السبب وراء إنجازات مهمة حدثت مثل الإسكان الاجتماعي، ومشروعات الطاقة، واقتحام ملف العشوائيات، وشق الطرق وإنشاء الكبارى، وحفر عدة مئات من الآبار في مشروع زراعة المليون ونصف المليون فدان.
كل هذه الحقائق ربما يرددها النظام الجديد، ليصل إلى قلوب وعقول الناس البسطاء الذين لا هم لهم إلا بطونهم وبيوتهم وأمانهم.. هكذا يتصور البعض دون أن يرى أن الانحراف الثوري حرم البلاد من صوت معارض قوي يمنح السلطة الحاكمة قوة هو بحاجة إليها نفس حاجة المعارضة إلى ممارسة دورها في المجتمع.. الانفراد دفع النظام إلى تبنى مشروع توسعة قناة السويس، وهو من المشروعات غير الموفقة على الأقل في توقيته وطريقة إدارته.
اختفاء أو تغييب أصوات مصرية شاركت في بناء ٣٠ يونيو دفع النظام إلى إغراق البلاد في دوامة القروض التي أوصلتنا إلى نفس الظروف التي أحاطت بالخديو إسماعيل.. الانفراد دفع خفافيش الظلام إلى لعب أدوار غير وطنية، أوصلت الحالة الاقتصادية إلى تلك الصورة الضبابية التي لايستطيع أي خبير معها أن يصف لنا ملامحها فبدت صورة هلامية غير واضحة المعالم.
غياب الكتل السياسية والاقتصادية عن المشهد دفع النظام الجديد إلى الاستسلام التام في قضية سد النهضة، فلم يعد لديه ما يقدمه للمواطن من تبرير حتى لو كان وهميا، باستثناء حديث ساذج وسطحي من الوزير سامح شكرى..حديث لايليق بحجم وقدرات مصر ولا بدبلوماسيتها العريقة.. هذا التغييب أسقط النظام الجديد فى مستنقع تيران وصنافير وهو ذاته السبب الحقيقي في الظهور الفاضح للحزب السعودى في شوارع القاهرة، دافعا البسطاء إلى رفع علم المملكة، مطالبين بمنح الملك تمثال أبو الهول!!
ورغم النجاح المهم في بعض القطاعات غير أن غياب الصوت الآخر في البلاد قد يؤدى إلى كارثة، خاصة وأن القضايا الثلاثة الأهم كلها تتماس مع فكرة الوطنية التي يجب أن نتشارك فيها جميعا دون انفراد أو إقصاء أو تهميش.. معارك مصر الآن للأسف هي.. إغراق بلادنا في الديون "القروض".. حرماننا من سبب الحياة "سد النهضة".. اقتطاع مساحات من الوطن لصالح الغير"تيران وصنافير".