مسرحية التحكيم الدولي في تيران
لو أن الأمور تعقدت بشأن تيران وصنافير، فإن الطريق إلى جنيف؛ حيث التحكيم الدولي هو الحل المنقذ لكافة الأطراف.. مؤسسة الرئاسة ستشعر بأن عبئًا ثقيلًا «انزاح» من على عاتقها، وهي التي كانت تتصور أن مجرد طرح الموضوع من رئيس منتحب بأغلبية سيكون أمرًا مطاعًا للجميع، والحكومة سترى أنه طوق النجاة لها أمام التاريخ، والأشقاء في المملكة سيضجرون بعض الشيء، غير أن ذلك حد فاصل إن كانت الجزر حقهم.
سيبقى السؤال المعضلة الذي يثير غبارًا كثيرًا في أروقة الشارع المصري.. كيف يتم تكوين الوفد المصري المدافع عن مصرية الجزيرتين؟.. لدينا خبير دولي كان ضمن فريق المحاربين في طابا هو الأستاذ الدكتور مفيد شهاب، غير أنه قال رأيا لا يصلح معه أن يدافع عن مصريتهما، فهو أول القائلين بسعودة الجزيرتين، وأي اختيار من جانب الحكومة لأطراف بديلة سيكون محل طعن، إذ إن الحكومة وقعت على ما هو قائل بسعودية الجزيرتين، الحكومة مع سعودية الجزيرتين، ومجلس النواب المصفق بحماس للملك سلمان لن يكون رأيه مخالفًا، والحكومة والرئاسة مع الأمر، فقط هناك شعب يرى غير ذلك.
إذن سنكون أمام مشهد مسرحي هزلي، الوفد الرسمي السعودي سيقدم ما يفيد بسعودية الجزيرتين، والوفد المصري -أيا كان اختياره في ظل هذه الظروف- سيبصم على الوثائق السعودية ويؤكد أنهما سعوديتان، شحما ولحما، أما المحكمون سيقعون في حيص بيص وسيكون السؤال: لماذا إذن لجأتم إلى التحكيم الدولي؟.. الوفد المصري سيقول كلامًا يشبه كلام عادل إمام في فيلم «الأفوكاتو» حول الذي قيل وما يجب أن يقال بعد الذي قيل.. سيرفع المحكمون الجلسة باعتبارها نشاذًا قانونيًا، حيث إن الطرفين متفقان.
هنا في شوارع مصر ستحدث جلبة ونقاشات ومظاهرات.. المحكمون سيتابعون نبض الشارع المصري، غير أن أمامهم وثائق تنفي هذا الهرج والمرج.. سيرتفع الصوت الشعبي مطالبًا بتغيير الوفد المصري، وهنا سنكون أمام معضلة قانونية جديدة يؤكد المحكمون من خلالها أن الوفود لابد وأن تكون رسمية.. مصر الرسمية وقعت وترى أن هذا اللغط مجرد عواء شعبي لا يقدم ولا يؤخر.
في هذه الحالة لنا أن نتخيل ملامح العلاقات المصرية السعودية، توافق رسمي وتنافر شعبي، وبالطبع فإن المواقف في العالم العربي يختلط فيها الرسمي بالشعبي، ومن الصعب أن نفرق بينهما، فكم من علاقات شعبية دهست تحت أقدام المواقف الرسمية، خاصة وأن الميديا مرتبطة بكل ما هو رسمي مهما كانت شرعيته أو عدمها.
مرة أخرى سيقف المفاوض المصري ليقول بسعودية الجزيرتين ومعه المفاوض السعودي مساندًا، إذن ستكون المشكلة الرئيسية أن أطرافًا شعبية مصرية تقاوم وترفض، في حين أن الوفدين -المصري والسعودي- على وفاق في القضية.. لن يكون أمام المحكمة إلا أن تحكم بما اتفق عليه الوفدان، وليضرب الشعب أو ما يتصور أنه الشعب رأسه في أقرب حائط.
بعد الحكم يستمر اللغط في كل وقت، كمنغص دائم في العلاقات المصرية السعودية.. بين الحين والآخر سنرى مسلسلًا تليفزيونيًا «ينبط» على الموقف المصري.. سنقرأ مقالًا عن الجزيرتين المحتلتين، سنشتري كتابًا يتحدث عن صفقة الأرض والجزر الضائعة.. ربما تتحول إلى ورقة ضغط انتخابية تستخدمها الأحزاب السياسية وقادة العمل السياسي.. باختصار لن يكون الحكم الدولي نهاية المطاف وستصبح تيران أشهر من القاهرة والرياض.
سيقول الراوي في القصص الشعبي إن لدينا أرضًا فرطنا فيها، وعلى الفور سيكون لدينا خرائط رسمية جديدة تقول إن الجزيرتين عادتا إلى حضن وطنهما وعلى المستوى الشعبي ستطبع مطابع كراسات لتلاميذ المدارس عليها جزيرتان ضمن حزام الخرائط المصرية، وكلما ظهر شيء من هذا أثار الغبار مرة أخرى في العلاقات المصرية السعودية.. في النهاية عشش صداع الجزيرتين «نافوخ» العلاقات المصرية السعودية دون أمل في الشفاء منه.
إذن ما هو الحل.. الحل هو أنه لا حل.. كل ذلك جرى ويجري لأننا نفتقد إلى المشهد السياسي في مؤسسة الرئاسة.. ليس لدينا مخرج جيد، أو حتى مخرج هاوٍ.. طرح الموضوع للنقاش الشعبي بشكل جدي كان من الممكن أن يصل بنا إلى حل نهائي يرضي جميع الأطراف.. حل بعيد عن الأوامر الفوقية التي سندفع ثمنها غاليا في هذا الملف وغيره من الملفات التي تتحول لتصبح صداعًا مزمنًا لا شفاء منه.