رئيس التحرير
عصام كامل

البدوى وساويرس وجها لوجه


"نصف رأيك مع أخيك فاستشره" هذا ماكان يردده الزمخشرى كبير المعتزلة، وحدود علمنا أن الدكتور سيد البدوى والمهندس نجيب ساويرس صديقان، بينهما قواسم مشتركة سواء كانت في الوجهة السياسية أو المنهج الاقتصادى، ومن المنطقى أن تفرض هذه القواسم حوارا نديا ليس من بينه أن يتحدث أي منهما باسم الآخر، مدعيا أن هذه هي رؤيته.


أقول ذلك بمناسبة ما أدلى به الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد في حواره للزميلة اليوم السابع، عندما تقمص دور الخبير السياسي، وقال إن حزب المصريين الأحرار خسر، حيث كان يتصور قادته أنه سيشكل الحكومة بعد دخوله مجلس النواب.. وأضاف سيادته: "جلست في أحد الاجتماعات أثناء الانتخابات البرلمانية مع المهندس نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الأحرار، وكان لديه امل وتصور كبير بأنه سيشكل الحكومة، وذكرت له حينها أنه لا الوفد ولا المصريين الأحرار ولا أي من الأحزاب سيشكل الحكومة، فرد على وقال - انا جايب مرشحين أقوياء من كل المحافظات، وصرفت كتير وحدث ماحدث في مجلس النواب، وبالفعل لم يشكل أحد من الأحزاب الحكومة، وأتوقع أنه بعدما فشل المصريين الأحرار في تشكيل الحكومة ابتعد المهندس نجيب ساويرس عن السياسة.

لم تتوقف الرؤية التحليليلة الجهنمية للخبير السياسي الدكتور البدوي عند هذا الحد، بل أردف قائلا : إن ساويرس اهتم بعمله الخاص، وأرى أن هذه المرحلة تحتاج إلى ذلك بأن نهتم بأعمالنا الخاصة، لأننا خسرنا كثيرا في الفترات السابقة.

انتهى كلام البدوي ليفتح لنا المجال أمام كلام آخر وتساؤلات من عينة "من أعطاك الحق في الحديث باسم نجيب ساويرس" ومن منحك القدرة على تحليل المواقف على هذا النحو السطحى، الساذج على أن ماقلته لو كان صحيحا فإنه يفضح قصة استسلامك قبل المعركة الانتخابية، وإيمانك بضعف حزبك، وعدم قدرتك على الوصول إلى الناس، وفي المقابل كان ساويرس يعمل وفق أبجديات العمل السياسي، وخوض المعارك التي يجب على الحزب أن يكون مؤمنا بها.. في المعارك السياسية تحارب من أجل الفوز الساحق، لكي تحصل على مساحة الواقع الذي يمثلك، أما قولك المستكين بأنه لا الوفد ولا أي حزب آخر يمكنه فعل ذلك، فهي رؤية استسلامية تصلح في معارك درب "بهانة" وليس في شارع السياسة.

وبجرأة يحسد عليها يجزم سيادته بأن ابتعاد ساويرس عن السياسة جاء بعد فشل المصريين الأحرار في تشكيل الحكومة.. إذن فإن البدوي يرى أن نجيب ابتعد عن السياسة … دون ان يتابع سيادته مؤتمر الحزب الأخير في مقره الجديد ومشاركة ساويرس فيه، وربما لم يتابع سيادته ما كتبته وسائل الإعلام حول هذا المؤتمر لثأر بينه وبين القراءة، أو لرغبة ملحة في الابتعاد كلما أمكن عن عالم الصحف، ووسائل الإعلام، وحركة الأحزاب السياسية في مصر.. أيضا فإن البدوي الذي زف إلينا خبرا عن نجيب ساويرس لايعرفه ساويرس نفسه ولا حزبه، قرر فجأة أن الرجل هجر العمل السياسي،ولم يكلف نفسه عناء متابعة لقاءات نجيب مع قادة الحزب الدورية.

وبدا مماقاله البدوى أنه قد يقرر الابتعاد عن العمل السياسي والاهتمام بعمله الخاص وهذا حقه، غير أنه عندما يتحدث عن نجيب فإن هذا ليس حقه حيث لايجب عليه أن يدلى بدلوه في مسألة تخص صديقه، جازما بانه يحتكر الحقيقة
ودون أن يدرى أو أنه يدرى أساء الرجل إلى صديقه، ولم يفرق بين حالة تقييم يعيشها نجيب ساويرس وبين حالة اعتزال يخطط لها البدوى، لكي يعوض خسائره التي تكبدها.. نجيب من ناحيته عبر عن حالة يعيشها وصفها بتعبير شعبى قائلا "أنا قرفان" حيث يخشى مثل عقلاء كثيرين من حالة الانسداد السياسي التي ظهرت تجاعيدها مبكرا، ومحاولات دءوبة لتشويه العمل الحزبى، ومن ثم تقويض التجربة الوليدة عقب ثورتين مجيدتين، بالتالي إعادة كل براثن الماضى إلى الحياة الحزبية.

نجيب مثل غيره لايفهمون ولايستطيعون أن يفهموا مامعني دعم مصر، وكيف كان وإلي أين يكون.. هل هو حزب.. فصيل سياسي.. كيان مبعثر أو متوحد.. نقابة.. منظمة اجتماعية.. جمعية أهلية.. كيف طفى على السطح.. كيف نتعامل معه ؟.. هل لديه برنامج نستطيع من خلاله تحديد القواسم المشتركة بيننا وطنيا على الأقل.. هل هم اشتراكيون.. ليبراليون.. شيوعيون.. إسلاميون.. تلك الصورة تدفع أي سياسي أن يقيم الموقف، وأن يقف على ناصية اللحظة، ليجمع أشلاء المستقبل من أجل أن يعرف إلى أين يمضى.

واذا كان الحلاج صاحب مقولة "الحلم جنين الواقع " فإن حزب المصريين الأحرار هو جنين الواقع السياسي لثورة ٢٥ يناير، وهذا الجنين تكون نطفة ثم أصبح علقة ومن العلقة تحول إلى مضغة، فعظاما، فلحما وهو لايزال حلما يرتبط بالواقع السياسي الذي يعيشه، وهذا الحلم كان مجرد حاضنة أفكار في ذهن نجيب ساويرس منذ لحظات الثورة الأولى، وليس من المستساغ أن يترك حلمه هكذا، لأن واقعا مريرا نمر به.. نجيب صاحب هذا الحلم ومعه رفاق يؤمنون به.. قد يعيش لحظات تقييم مع النفس أو مع زملائه في الحلم، غير أنه لايمكن أبدا أن يتركه ليهتم بأعماله الخاصة، وكأن العمل السياسي هو الخسران المبين.
الجريدة الرسمية