رئيس التحرير
عصام كامل

ولماذا لا تغش الحكومة لحل أزماتنا؟


لو أنك سألت مواطنًا بسيطًا في الشارع المصري عن حلول لأزمات يعانيها، في العمل والمسكن والتعليم والصحة وغيرها، لأكد لك إصراره على ألا يكون جزءًا من المشكلة وقدم لك حلولًا وأطروحات قابلة للنقاش، ولو أنك سألت مسئولًا بالحكومة عن أسباب وحلول لذات الأزمات، لاتهم المواطن بالتسبب فيها واقترح عليك استبعاده من المعادلة أو هو فاعل لذلك دون مراجعتك.


تلك حقيقة تدركها من قراءة مبسطة للمشهد العام في مصر قبل 10 سنوات من زوال حكم مبارك صوريًا، وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على إبعاده عن السلطة وتقديمه للمحاكمة وإدانته قضائيًا، فلا أزمة إلا ومرجعها ما تركه عهده في تكوين وطابع شخصية كثيرين يديرون شئون البلاد أو تدار شئونهم عبر آخرين يعتبرون أنفسهم أولى الأمر والوصاية الأبوية عليهم، لا يزال تحذير رأس الدولة لهم يطرق آذانهم "ما تسمعوش كلام حد غيري"، ولا تزال نغمة حكومات ما بعد الخصخصة التي رسمت ملامحها اتفاقيات العار تردد أن "خلفة العيال" سبب وقف الحال.

من هنا تدرك بسهولة أن الخطاب السياسي الفوقي الذي استنسخته معارضة مستأنسة لا تجد حال صعود إحدى قواها للسلطة، إلا إياه للتحايل على الشعب، لا يحرض إلا على الكذب، ادعاءات بأزهى عصور الحرية والديمقراطية تدحضها قرارات اعتقال إداري لآلاف من المصريين، تصاحبها خطط للتخلص من ممتلكاتهم لصالح عمليات بيع مشبوهة، ومزاعم بتحقيق رفاهية وتنمية بعد ثورتين رفعتا شعارات مطلبية لا أقل من تحقيقها كاملة حتى "تنهض" مصر التي يتحدثون عنها، بينما الواقع الذي تنكر معه الحكومات حلول المواطن للأزمة كاملة، يذهب بنا في الاتجاه المغاير.

وفى مساره ستجد محاكمات في قضايا غير منطقية لقضاة أو صحفيين أو مساهمين في العمل الأهلي، أو ربما أطفال شوارع ومحتجين على تنازل عن الأرض أو طلبًا للعمل أو المساواة، أو متحدثين عن فواتير الفساد وأسبابه، وستجد طوابير طويلة على قطع اللحم والدجاج المستورد في الشوارع أمام عربات تحمل شعار جهة سيادية أو مجمعات استهلاكية لا يطيق زبائنها أسعار الجشعين من التجار، في بلد بلا رقابة فعالة، ومعدلات تضخم شهري وسنوي لا يصدقها عقل، وانهيارًا لعملة محلية لبلد لم يعد يعرف عن الزراعة والصناعة إلا القليل أو يكاد، وتلاعب بأسعار ناتج عن احتكار لسلع استراتيجية، في مقابل خطابات شكر لحكومات دول على إعانات، وحملات دعائية لجمع الأموال من المواطنين الذين كفر كثير منهم بثقافة التبرع.

في هذا المسار وحده يعرف كثيرون أن ما يذهب ربما لا يعود وأن الفرص لا تتكرر ولو أتت بطرق غير شرعية، فتجد هنا موظفًا يفتح أدراج مكتبه للمصلحة، وضابطًا يبتز مواطنًا بسلطته، وصحفيًا يرتشي زاعمًا محاربته للفساد، وطبيبًا يتخلى عن مرضاه بدعوى الإضراب، ومحاميًا يبيع موكله للخصم، ومهندسًا ومقاولًا يشيدان عقارات بلا تراخيص، وإعلاميًا يضلل جمهوره، ومدرسًا يعاقب طلابه على تعليمهم المجاني، ونخبًا تبارك سلطة بحثًا عن نصيب في التورتة، وبعبع الإرهاب في الداخل والخارج عنوانه الإخوان وداعش لا إجابة لنظام حكم عن عمر افتراضي لخطره.

وسط هذا المناخ لا تسأل لماذا يقف المصريون في طوابير للحصول على المياه داخل العاصمة أو يتشاجرون على كيلو الأرز داخل متجر، أو يتسابقون لأبنائهم على فرص شراء نماذج مسربة لامتحانات الثانوية العامة، أو تبحث فئة بينهم عن تمييز أبنائها بلجان خاصة تباركها أو تنكرها حكومة إنكار كل شيء.

فقط تأكد أن الحل موجود لكل أزماتنا، لكن الحكومات التي شجعتنا سياساتها على الغش والتدليس وعلمتنا أنظمتها ما نفعله بأنفسنا وقبول ما تفعله بنا، لا تريد ساعة أن ترتكب معصية "غش الحل" من الطبقات المطحونة.. أو ممن تبقوا من أهل الحكمة والعقل والضمير بيننا.. ربما ترى أن رمضان شهرٌ مانع لغش حلول أزمة وطن.. وغش امتحانات طلاب الجيل القادم غير مكروه أو جائز.
الجريدة الرسمية