رئيس التحرير
عصام كامل

قائد يستحق نوبل للسلام


تعلم في أعرق جامعات العالم، وآمن منذ كان صبيا بمجموعة قيم إنسانية لا يختلف عليها اثنان، وظل طوال حياته موقنا بتحقيق نموذج إنسانى يعلى قيم الإنسانية، ويرفع من قدر دينه وهويته حتى وصل إلى قمة السلطة في بلاده..جمع الشباب حوله.. استطاع أن يكون معينا للمختلفين مع السلطة.. طلب منهم أن يعارضوا من داخل النظام.. أتاح لهم فرصة المشاركة في حكم بلاده، التف حوله اليساريون واليمينيون والوطنيون الخالصون والإسلاميون.


على مدى سنوات العمل عزف الجميع سيمفونية واحدة.. مقطوعة الوطن الراغب في كل نقطة عرق يبذلها المواطن والمفكر والصحفى والأستاذ الجامعي.. نسي الجميع أنفسهم وذابوا في وطن «لم شمل الجميع».. توحدوا في صوت واحد.. في نفس واحد.. في اتجاه واحد.. شيئا فشيئا صار المتنافرون قوة واحدة.. والمختلفون صوتا واحدا.. أقاموا البناء شاهقا فكان أعظم ما بنى هو الإنسان.

ووسط محيط هادر بالتطرف والطائفية والغلو كان هو صاحب النموذج المثالى الذي استطاع من خلاله أن يعبر بسفينة بلاده إلى بر الأمان.. بحكمة بالغة رسم حدود بلاده مع جيرانه دون أن يفقد الترابط العربى الذي بناه وفق نظرية وطنية عروبية خالصة.. علت صيحات الطائفية من حوله فكانت بلاده هي واحة الاعتقاد دون إقصاء أو تهميش أو غلو.. ارتفعت حدة الصراع الإيرانى الخليجي فكانت بلاده جسرا للحوار بين الجميع من أجل إنقاذ الجميع.

لستة وأربعين عاما.. كان ولا يزال يؤمن بلغة الحوار.. يؤمن بأن الهوية العربية الحقيقية لا تخشى الانفتاح على الآخر، ويعتقد بيقين في قدرات شعبه على صياغة نموذج عربى متفرد، قادر، واع، فاهم، يستطيع من خلاله أن يكون عاصمة التلاقى وسط عالم يموج بالصراعات والحروب والقتال، فلم يظهر في بلاده حادث واحد يقول عكس ذلك، وبدا واضحا أن ما بناه على مدى تاريخه قد بدأ يؤتى ثماره.

عن السلطان قابوس بن سعيد أحدثكم، وعن مسقط عاصمة الحوار والهوية الراسخة ننقل وقائع تجربة عربية، لم تبن على الوفرة النفطية، وإنما بنيت على الوفرة الأخلاقية والانضباط الإنساني والصبر والعزيمة والتفانى في العمل واليقين بقدرات الشعوب، أكثر من قدرات المال.. كنز عمان في تجربتها التي اعتمدت على الإنسان، قبل أن تعتمد على ثروة نفطية أو معدنية.. وتجربة عمان بنيت على رؤية حكيمة قادها حكيم استطاع أن يجمع المختلفين حوله، فكانوا وقودا لمعركته ضد التخلف والتطرف والجهل.

وأمام هذا النموذج الإنسانى المثالي نتساءل: إلى من تمنح جائزة نوبل للسلام؟.. أليس حريا بالقائمين عليها أن يتدارسوا هذا النموذج الذي عاش بقيم التسامح ليصبح واحة أمان واستقرار؟

صحيح ما بناه السلطان قابوس لبلاده وللإنسانية لا تقابله جوائز.. وصحيح أن الذين أسهموا في بناء حضارتهم الحديثة دون أن يفقدوا الطريق ليسوا بحاجة إلى جوائز إلا من شعوبهم غير أن التساؤل لا يزال مطروحا.. لماذا لا تذهب نوبل للسلام إلى واحد من صناع السلام في عالم الحرب والدمار والقتل؟!
الجريدة الرسمية