إلى بان كي مون.. هاتعورني أعورك !
في زمن حظر النشر في قضايا تشغل الرأي العام داخليًا وخارجيًا أيضا، تجدني تفاديًا لدفع غرامات، أتحدث إليك في أمر قضية محاكمة قيادات نقابة الصحفيين أمام جنح قصر النيل خلال ساعات، من بعيد، كحال قضية محاكمة المستشار هشام جنينة المتهم بنشر بيانات وأخبار كاذبة حول معدلات وتكاليف فاتورة الفساد في مصر، والمحبوس حاليًا لامتناعه عن سداد كفالة لإخلاء سبيله.
هنا أبحث في تداعيات وتطورات الحالة السياسية لأسوق إليك سطوري التالية، فأجد بشأن قضية محاكمة نقيب الصحفيين الأستاذ والزميل يحيى قلاش، والزميلين جمال عبد الرحيم السكرتير العام وخالد البلشي، وكيل النقابة رئيس لجنة الحريات، انتقادات الممثلة العليا للشئون السياسية والأمنية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيرني، لأوضاع حرية التعبير وحرية الصحافة في مصر.
بينما يرد المتحدث باسم وزارة الخارجية بأن "حقوق الإنسان المصري في ذهن البعض لا تتجاوز الحقوق السياسية والتعبير عن الرأي، وأن المسئولة الأوروبية لا تبذل جهدًا مماثلًا للدفاع عن حق المواطن المصري في التعليم والعلاج والمأكل والمسكن والحياة الآمنة"، وأن انتقادات بان كي مون صدرت دون "الاطلاع بدقة على تقارير بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر للوقوف على تقييم دقيق بشأن عدد الصحف والمجلات التي تصدر في مصر صبيحة كل يوم، ومتابعة البرامج الحوارية في قنوات التليفزيون وما تحمله من انتقادات يومية لأداء السلطة التنفيذية، فضلا عن متابعة كل ما يدور من حوارات ومناقشات على شبكات التواصل الاجتماعي قبل انتقاد وضع حرية التعبير في مصر دون وجه حق".
وأرصد لك تطور الرد الدبلوماسي إلى حالة من المبادلة للاتهامات على طريقة "مفيش صاحب.. هاتعورني أعورك"، حيث يستكمل المتحدث الرسمي "الأجدى أن تبذل المسئولة الأوروبية جهدًا مماثلًا في تحفيز دول الاتحاد الأوروبي على دعم قدرات الحكومة المصرية لتوفير خدمات أفضل للمواطن المصري في التعليم والعلاج والمأكل والمسكن والحياة الآمنة.."، معربًا عن اندهاشه من "أن الممثلة العليا لم تولِ نفس الاهتمام في أي وقت مضى بإبراز التحديات الإنسانية والمعيشية التي تواجه المواطن المصري، أو تدعو إلى ضخ المزيد من المساعدات لتمكين المجتمع المصري من الارتقاء بالأوضاع المعيشية للمواطن".
وألقي كلماتي بملعب "الخارجية- الاتحاد الأوروبي" مبتعدًا عن الحظر إياه، وأفهم من كلام ورد مسئول الخارجية أن طريقة مباشرة أو غير مباشرة لطلب معونات، منح أو تمويل مشروط لا يرد لما يفرضه واقعنا الداخلي على المجتمع الدولي المرتبطة بلادنا معه بمعاهدات واتفاقيات ومواثيق تقرها وتعترف بها دساتيرنا، لكن الحكومات تستحل أمرها لنفسها وتحاكم من يديرون مؤسسات أهلية تعمل بنفس أهدافها، أو تلاحق من يخاطبها من الكيانات الأخرى الوطنية.
أذكر أن عادة نظام مبارك في التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي لم تخرج عن سيرة المزيد من المعونات لقاء جهود مزعومة من طرفه لوقف موجات الهجرة غير الشرعية لمجتمعات هذه البلدان، فلم تتوقف الهجرة وغرق شبابنا ولم تعدم الحكومات طريقة للإبقاء على شيء من تلك المعونات، وبقي خطاب أجهزتنا الدبلوماسية تجاه قضايا أساسية تناقشها هيئات دولية دون تغيير، وكأن مبارك لم يبلغها مصيره.
تخيلوا أن قضية محاكمة الصحفيين المتهمين بالتمويل والعمالة والخيانة كما وصفهم "المواطنون الشرفاء إياهم"، أصبحت فرصة ذهبية أمام الحكومة لجلب معونات "أجنبية"..!! وكأننا نقول للاتحاد الأوروبي "هانبوظ لك منظرك لو ما دفعتش.. أو جبت سيرة الحقوق والحريات غير مقترنة بالمعونات تانى..".
ترى.. هل تتكرر خطابات وردود للخارجية كهذه إذا ما صدرت انتقادات مماثلة بشأن محاكمة المستشار هشام جنينة؟ فيقال على ألسنة مسؤوليها "امنحونا معونات لنحارب الفساد اللى عندنا أو لنبحث عنه.. بدلًا من انتقاد محاكمة رئيس جهاز المحاسبات..؟! اللهم ارحم عقولًا لا يرحمنا أصحابها.