سيادة الرئيس: هذا ما لك.. وهذا ما عليك
مجموعة من الأصدقاء كنا نلتقى دوريًا في منزل واحد، من أهم خبراء الطرق والنقل بمصر.. نتجاذب أطراف الحديث حول ما يمكن أن نقدمه للرئيس عبد الفتاح السيسي كبطل شعبى، ألقت به المقادير في أتون معركة استخلاص الوطن من براثن جماعة أرادت اختطافه خارج سياقه التاريخي والزمنى والجغرافى، رغمًا عن كافة القوى المنتصرة في معركة العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
لم يكن فينا واحد من غير المؤمنين بالسيسي كرجل للمرحلة، قدم نفسه عندما أراد الشعب ذلك، منحه الشعب ثقته فكان مثالا في الالتزام بخوض غمار المعركة، تخلصنا من محتل وطنى أكثر ضراوة من الاحتلال الأجنبي، وبدون مقدمات بدأ من كانوا يختفون خلف ستائر الخوف في طرح أنفسهم على النظام.. وقتها اتفقنا جميعًا على أن نكتب في الصحف ونناقش في الإذاعة ونخاطب النظام الجديد.
وتحت عنوان "عفوًا لن نسمح لك بالفشل"، كتبت على صفحات «فيتو» ما كنت أعتقد فيه.. اتفقنا على ألا نناور أو نهادن أو نصمت، فنحن أمام وقائع جديدة.. نحن أمام رئيس قدم نفسه من اليوم الأول كبطل شعبى، ونحن أمام دفقة شعبية كانت على قدر المسئولية، وكان الرجل أيقونة ضد اختطاف مصر، وأيقونة ضد الفساد، وأيقونة ضد الانفراد بالسلطة.. التقى كافة أطياف المجتمع.. جالسهم وناقشهم، وأخذ منهم وأعطاهم.. فكانت المشاهد مثالية.
شيئا فشيئا.. كانت طاحونة صناعة الفرد تجهز نفسها لاختطاف الرجل، وكانت الأصوات الأخرى تستنقذه وتوقظ فيه أيام الثورة المجيدة ضد الحكم الفاشى، والآن وقد مضى عامان من حكم الرئيس المنتخب بشعبية جارفة كيف نرى المشهد؟.. ما زلنا أمام رئيس يحظى بشعبية، وأمام مؤامرات تحاك من هنا وهناك، على أن ما يحاك من الأقربين أضحى أشد ضراوة، واختفت من المشهد رموز نعتقد أن وجودها كان ولا يزال حتميًا.
توقفت عجلة السياسة، وظهر على الوجود برلمان أردنا أن ندعمه، فأبى واستعصم وكان من الخاسرين.. برلمان تجاهل أن وجوده ذاتي من دستور منحه ذلك الوجود القوى، غير أنه تنازل عن ذلك ولعب، ولا يزال يلعب دور أجهزة تأميم الأصوات، لدرجة أن رئيسه وصل به الأمر أن يصدر فرمانًا للنواب ألا يتحدثوا في الأمور السياسية، وذلك على اعتبار أنه برلمان منح الثقة ليس أكثر، وطفت على السطح ظواهر أغرب من الخيال.
أصبح لدينا رئيس وزراء منحه البرلمان ثقة نوابه، فآثر أن يلتزم الصمت بكافة أشكاله ويلتزم الصوم بكافة ألوانه.. صام مجلس الوزراء عن الابتكار وعن العمل وعن التعاطى مع مشكلات الناس، وترك الأمر كله للرئيس، أما مجلس النواب فإنه في آخر افتكاساته قد ناشد الرئيس أن يتدخل لدى المحافظين والحكومة لحل مشكلات الصرف الصحي.. هكذا ألقى البرلمان بدوره في "حجر الرئيس".
ودون أن ندرى كيف كان.. اختفى النظام البرلماني، مع أننا لسنا نظامًا رئاسيًا وفق الدستور الجديد، وهكذا أصبحت الصورة.. فلا نحن نظاما برلمانيا ولا رئاسيا، أما الحكومة فلا يزال رئيسها لا يعرف أن اسمه قد حذف من لوحة افتتاحات مشروعات تتم في عهده، وفي النهاية لا ينتبه أحد إلى خطورة هذا التصرف إلا الرئيس.
بعد مرور عامين لم يجد المواطن أمامه غير الرئيس، فإن احترقت محال الرويعى فإن الغضبة تتوجه ضد الرئيس، وإن ظهر دواعش في قرية الكرم فليس أمامنا إلا الرئيس.. حتى الفتاة التي تحرشوا بها في الميدان لم تجد أبا لها في كل النظام إلا الرئيس الذي زارها واعتذر لها وطيب خاطرها ووعدها بعدم تكرار ذلك.
"الوزارات والهيئات.. المؤسسات والشركات.. الأحزاب والجامعات".. كل هؤلاء ينتظرون تعليمات الرئيس.. فرضنا على الرجل أن يكون كل شيء فهو الرئيس، وهو الوزير، وهو الموظف وهو العامل وهو الأحزاب، وهو الجامعات.. فلم تأت النتائج كما كنا ننتظرها.. أمام هذا المشهد العبثى تحمل الرجل كل هذه الأعباء، فإن أخطأ أمين شرطة.. صمت الوزير وتجاهل الأمر، ولم يكن أمام الرئيس سوى أن يتحرك.. إن أخطأ وزير الرى كان على الرئيس أن يتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. يتحول ضجيج المصانع إلى همس، ويصبح صوت آلة الإنتاج أخرس إلا من محاولات المؤسسة العسكرية، التي اضطلعت بأدوار كنا نأمل أن نتحمل عنها لتتفرغ لمعاركها المقدسة في حماية أمن البلاد.
أصبح كل شيء معكوسا؛ فلا نحن أمام مصنع للسياسة، ولا مطحن لإنتاج الأفكار.. الوزراء سكرتارية، والمدراء خيال مآتة، والأداء الوظيفى هو الحاكم بأمره.. نحقق قفزات في الإسكان الاجتماعى، ونترك المرضى نهبا لوحش الدواء الكاسر.. نفتتح قناة السويس الجديدة أو تفريعتها الجديدة ونترك ألف مصنع مغلقا للذئاب.. نعبد لأكثر من أربعة آلاف كيلومتر من الطرق الجديدة ونترك مائة ألف كيلو متر نهبا للإهمال بلا صيانة.. نزرع عشرة آلاف فدان بالخير في الفرافرة ونترك آلاف الأفدنة نهبا لغابات الأسمنت في الدلتا والصعيد.
بعد عامين نحقق سجلا مشرفا في قطاع الأمن، ونترك شبابنا سلعة لتقارير الأمن الوطنى، فنفقد ثقة المواطن والوطن.. تقدم الشرطة مئات من الشهداء في معركة المصير ضد قوى الشر، ونترك بضعة من الفاسدين ليهيلوا التراب على الدماء الزكية التي تسيل يوميا، فيظهر الدكش ويختفى ألف دكش..نقبض على وزير فاسد ونترك حيات الفساد تنهش لحم الوطن في كل مكان.
بعد عامين التقينا.. غاب بعضنا وحضر آخرون.. تدارسنا الوضع.. تناقشنا.. تحدثنا عن إنجازاتنا ولم نهمل انكساراتنا.. رددنا "فيها حاجة حلوة وفيها حاجات وحشة".. اتفقنا في النهاية على ألا نلتزم الصمت.. نكتب ونخاطب ونتحاور ونطرح رؤانا في كل مكان، لأننا لا نملك سوى خيار وحيد وهو أن ينجح السيسي فيما عهد إليه من مهام، بأن يعيد للبرلمان حقه ويدفع الحكومة دفعا للأمام، ويصبح هو رئيسا ورئيسا فقط !!