رئيس التحرير
عصام كامل

الرؤية المفقودة مع الطائرة


لو أن ردود الأفعال المحلية تجاه حادث الطائرة المصرية "المفقودة" منعزلة عن ردود أفعال الخارج تجاه الحادث، فنحن أمام رؤية مفقودة تمامًا لدى قادة الإدارة والرأي والمجتمع على السواء، تهدد تصورات المواطنين للأزمات وتدعم تخاريف وأكاذيب تجاه تكرارها.


الأمر ينطبق على حادث الطائرة المصرية "إم إس 408 إيرباص 320 " التي تحركت من باريس وعلى متنها 66 شخصًا، وقبله حادث الطائرة الروسية بشرم الشيخ، حيث تحمل تعليقات مسئولي الدول تجاه تلاحق الأحداث بمصر إشارات إلى معرفة أعمق وأبعد ببواطن الأمور، لدرجة تسبق معها حكومات الأحداث والتحقيقات فتبدأ بترويج مزاعمها وتصوير أجهزتها الاستخباراتية على أنها الأقوى والأوسع تأثيرًا، بينما تتأخر إجابات مسئولي الداخل تجاه الأحداث فتدعم شكوكًا مبكرة حول ما يصدر عنها.

راجع مواقف وتعليقات مسئولين أمريكان وبريطانيين تجاه حادث الطائرة الروسية بشرم الشيخ، ثم تأمل تعليق البيت الأبيض في بيان له أمس الخميس، يدعم فرضية تحطم الطائرة ويؤكد على أنه "من السابق لأوانه التعرف على سبب تحطمها"، ويشير إلى أن "مسئولين أمريكيين على تواصل مع مسئولين في فرنسا ومصر لتقديم المساعدة في الوقوف على ملابسات الحادث".

الطائرة التي تحركت من مطار شارل ديجول الفرنسي، أبلغت سلطات مطار أثينا باليونان السلطات المصرية باختفائها من على شاشات الرادار، وقال وزير الدفاع اليونانى بانوس كامينوس إنها "قامت بانحراف مفاجئ في الجو وهوت قبل أن تختفى من على شاشات الرادار في جنوب البحر المتوسط، وكان مسار الطائرة جنوبى وجنوب شرقى جزيرتى كاسوس وكارباثوس، وعلى الفور بعد أن دخلت المجال الجوى للقاهرة قامت بانحراف وهبوط 90 درجة يسارًا ثم 360 درجة إلى اليمين."

بعدها أعلن التليفزيون اليوناني رصد جسمين طافيين في البحر على مسافة 50 ميلا جنوب شرقى المنطقة التي اختفت فيها طائرة مصر للطيران عن الرادار،عبر فرقاطة يونانية على مسافة 370 كيلومترا جنوبي ‫جزيرة كريت بمنطقة انطلقت منها إشارة إرسال في وقت سابق.

بينما أعلنت صفحة المتحدث العسكري في مصر تعاون اليونان وفرنسا وإنجلترا وقبرص وإيطاليا مع القوات المسلحة المصرية، في البحث عن الطائرة المفقودة، نافيًا استقبال أية رسائل استغاثة من الطائرة، "المفقودة بعد 48 ساعة من ختام فعاليات التدريب المشترك المصري- اليونانى إسكندرية 2016 " والذي استمر لعدة أيام بالمياه الإقليمية المصرية بمشاركة لواء الوحدات الخاصة البحرية، واشتمل على "السيطرة على أعمال الإعاقة والشوشرة الإلكترونية المعادية، وعمليات البحث والإنقاذ".

أي أن قراءة أجواء منطقة الحادث تمكن المطالعين لها من قبول أسباب منطقية أو أقرب إلى الأدلة الأولية على تفسير ما حدث، وقد كتبت هنا عن حادث الطائرة الروسية متسائلًا "وهل يضير مصر اعترافًا بتعرضها لحادث إرهابي؟"، وهذا ما يجعلني أكرر التساؤل هذه المرة على أصحاب الشطحات والمزاج المتقلب طرفنا، المطالبين فرنسا بمراجعة إجراءات تأمين مطاراتها، والمعلقين على المشهد بغير دليل، رغم أنهم رفضوا قراءة تصريحات الغرب تجاه حادث الطائرة الروسية بشيء من التأني والحكمة.

الرؤية الداخلية المفقودة لعينات المنظرين على حوادث عديدة تمتد لتشمل المنشغلين بحروب نفسية متخلفة بعيدًا عن القضية ذاتها، تجاه المختلفين فكريًا وسياسيًا، على حساب الوطن وأزماته، فتجد تعليقًا يتهم أولئك بشماتة لم تقع منهم في أزمة وطن، وتنطع العميان المتزايدة سخافاتهم تجاه المشهد الكلي، ليظهروا أقرب إلى حالة يحيى الفخراني صانع خلطة السعادة بفيلم "الكيف" بعد أن تورط في تعاطيها قبيل دخوله سرادق عزاء ليفقد سيطرته على تصرفاته.

ارحموا الوطن وترحموا على شهداء جرائم وحوادث لو عاشوا لترحموا على ضمائركم الميتة، ربما أنتم بجهلكم ورؤيتكم المفقودة أخطر على الوطن من مؤامرات مجهولة أو معلومة أو مزعومة، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى من تندمون على ما نطقت به ألسنتكم أمامه.
الجريدة الرسمية