انتصار الصحافة في معركة وزير الداخلية
ربما تنتهي أزمة وزارة الداخلية مؤقتًا مع نقابة الصحفيين، خاصة عقب تصريحات رئيس الجمهورية قبل ساعات عن ضرورة ألا تشهــد الدولة صراعات بين مؤسساتها، وتعليق مجلس النقابة عليها ببيان إيجابي، لكن المعركة مع منصب "الوزير" ربما تستمر بتعاظم تأثير مجموعات عمل داخل الوزارة على مجموعة ظاهرة من الصحفيين والإعلاميين كشفتهم مواقفهم تجاه اجتماع عمومية النقابة مؤخرًا، رغم علم كثيرين بها في قضايا مشابهة.
بيان المجلس أمس أكد أن النقابة لم تسع لأي صدام مع مؤسسات الدولة وستظل مكونًا أساسيًا منها وإحدى القوى الناعمة لمصر، وجدد مطالبته بإعلاء كلمة القانون في كل الوقائع الأخيرة، وتأكيده أن الجماعة الصحفية تبادل الرئيس الحرص نفسه على مصلحة الوطن العليا، وطالب جميع الأطراف التحلي بروح المسئولية التي أشار إليها الرئيس وعدم افتعال الأزمات.
إلا أن كرة ألقتها تحديات المرحلة بطبيعتها وطريقة تعامل قيادات الوزارة معها، في ملعب الوزير نفسه، فيما ألقيت كرة مماثلة بملعب الجماعة الصحفية ذاتها، التي أرادت فصائل اختراقها وتسليم أبنائها لأجهزة أمنية "تسليم أهالي" وإظهارهم أمام عينات "المواطنين الشرفاء" إياهم، على أنهم فئة غير مقبولة لدى الرأي العام.
وسريعًا نقلت الظروف القهرية الاعتيادية الوزارة خلال ساعات من مشهد معركة مفتعلة مع الصحفيين إلى معركة تقليدية مع إرهاب يقول لها بملء أفواه أفراده أن "داعش" موجودة في مصر فكرًا وتطبيقًا، وأن الصحفيين والمثقفين الشرفاء شركاء في مواجهته، وهو المشهد الحي في جريمة قتل شهداء شرطة حلوان التي استنكرها بيان نقابة الصحفيين، تلته مشاهد لمجموعة متلاحقة من الحرائق قال شهود عن بعضها إنه تم بفعل فاعل، ومهمة وزارة الداخلية بقطاعاتها المختلفة التعامل معه وحماية المنشآت والأموال والأرواح على الأرض وتقديم تحريات دقيقة حول الحوادث المتلاحقة.
على الجانب الآخر أصاب موالون لمنصب "الوزير" من بين الصحفيين والإعلاميين، شاغل المنصب بالأذى كما اعتادوا مع سابقيه، وبعد فشل اغتيال النقابة بمزاعم اغتصابها سياسيًا، وانعدام ثقة صحفيين في دور وفد برلماني لإنهاء الأزمة، لم يكن حديث الرئيس سوى المؤشر على إمكانية تخليص أطرافها، خاصة الوزير ورجاله، إن استمرت جهود إنهائها بصدق لصالح دعم دولة القانون.
فالأزمة لن تنتهي بتراجع عمومية الصحفيين أمام الوزير وعينات المناصرين له على طريقة "الداخلية علمت على الصحفيين"، فالتاريخ يذكر للجماعة الصحفية شجاعتها في المطالبة بإقالة العادلي بعد جريمة 25 مايو 2005 التي جلبت العار لنظام مبارك فخلعته الثورة بعد خمس سنوات ردًا على عناده واحتفاظه بـ"حبيب".
وتخرج الصحافة منتصرة بوجهة نظري في معركة "الوزير" الأخيرة لأجيال قادمة أُريد لها أن تشهد على مبادئ عمومية الجماعة الصحفية مقابل انتهازية مجموعة المصالح المرتبطة بجماعات الإفساد والاستبداد والبلطجة، فلا قيادة صحفية غير ملتزمة بإرادة الصحفيين وساعية للتفريط في كرامتهم وهيبتهم تستطيع الاحتفاظ بأقنعتها إلى الأبد، وسيختتم تاريخ أولئك بطريقة تليق بهم تمامًا.
أما الانتصار الأكبر للصحافة فيتحقق بأمرين عاجلين، أولهما الفهم الصحيح لدى القارئ لدورها وطبيعته في ضوء أشكال الملكية والإدارة المتباينة والمتقلبة للمؤسسات خلال عقدين ماضيين، والثانى تصحيح مفاهيم مجلس النقابة تجاه الدور الأساسي لها في سبيل صون حقوق أعضائها والدفاع عنها أمام أصحاب الصحف والاحتفاظ لهم بفرص عمل لائقة لقاء أجور عادلة، ومنع سقوط أبناء المهنة في دائرة الاستقطاب السياسي المؤيد برأس المال، يدفعهم انهيار الاستقرار المهني والاجتماعي.
ويظل الفخر الأعظم للصحافة أن ممارسي المهنة لم يستثمروا سلالم نقابتهم في التظاهر طلبًا لمكاسب مادية أو امتيازات حصلت عليها فئات كثيرة بأجهزة الدولة بعد ثورتي يناير ويونيو، في وقت اشتدت فيه قسوة الظروف على أسرهم وحياتهم كغيرهم من أفراد الشعب، يكفى أن وزارة الداخلية ذاتها لا تراجع تصريحًا بالتظاهر لقطاعات أخرى على نفس سلالم الصحفيين، ولا تضمن حماية كافية لهم بعيدًا عنها.