عالم عيال أجانب
تحتفظ حكومات أوروبية في أدراجها بأوراق قضية تثيرها لاحقًا ضغوطات منظمات وروابط نسائية كي تنفجر في وجه الحكومة المصرية وحكومات بلدان عربية وإسلامية، بسبب ملاحقات الأزواج الهاربين بأبنائهم منهن، لتزداد المسألة تعقيدًا باستخدام اتفاقية حماية حقوق الطفل والتركيز على التزامات البلدان الموقعة عليها.
وتدعم تلك الإجراءات على المستوى القانوني حجية حصول الزوجات الأوروبيات على أحكام ببلادهن ثم بمحاكم الأحوال الشخصية لدينا، تؤيد حقوقهن في حضانة أطفالهن، وهي الأحكام التي تعاني نساء أوروبيات تغييب إجراءات تنفيذها على أرض الواقع، جراء تواطؤ جهات تنفيذ الأحكام، وتترتب عليها أزمات أكثر خطورة تصل حد تهديد حياتهن ولا تخل من ابتزاز مادي ومعنوي لهن.
الحكايات متشابهة وتبدأ غالبًا بزواج "سياحي" لشباب مصري بأجنبيات ربما فقن سن الحيوية والنضارة، وذلك بحثًا عن الحلم في السفر والعمل بالخارج مقابل حصول الزوجات على متعة جنسية تنتهي غالبًا مع تمتع الانتهازي بالجنسية الأجنبية والوصول لفرصة عمل في بلاد الخواجات، قبل أن يسعى للانتقال إلى حياة مختلفة مع فتاة جديدة أصغر تليق طاقتها بفحولته المزعومة.
سنوات وينقلب الحال مع إنجاب أطفال وتزايد ضغوط الحياة وتباين الآراء والاتجاهات في طرق تربية النشء، فهي تربي لمجتمع وتستجيب لشروطه، بينما يربي هو ابنه وابنته لمجتمع هارب منه إلى عالم الأحلام، ودون إنجاز مادي على الأرض يحاصر فشله في إثبات وجوده، تبدأ إجراءات الانفصال وربما الطلاق مع بقاء الخلاف، تتزايد أزماته وتحصل شريكته على حظوظها وحقوقها فيلجأ إلى الهرب من واقعه، لكن عقله الباطن الممتلئ بثقافة تمرد عليها يومًا ينبهه إلى طفله، يصطحبه معه بزعم الحفاظ عليه، قبل استغلاله في عملية ابتزاز لأمه على أرض بلاده، ولا مانع أن يحدث العكس مع آخر وتدور الدائرة عليه وتلعب منظمات الرعاية الأوروبية دورها في ابتعاد أطفاله عن الأبوين بزعم حمايته من النزاعات الناشئة بينهما وتسليمه لأسر بديلة متفرغة له بأجر.
تكتظ المحاكم بملفات متعددة لحالات زواج مختلط، يتلاعب خلالها كل طرف بأوراق تثير عجب وذهول الآخر، ويدفع الأطفال الثمن بين حرمان أو إخفاء أو تربية وتنشئة جديدة بين أناس وداخل مجتمع لم يألفوه، وكأنه صراع حضارات وثقافات من نوع جديد تديره عقول متخلفة في زمن العولمة بمفاهيم لا اتفاق عليها رغم كل العهود والمواثيق.
حينما تضار السياحة يلجأ عاملون بقطاعها إلى الزواج بأجنبيات والسفر معهن، وبلغت حالات الزواج بهن عام 2010 حسب دراسة مصرية 17 ألف حالة، فيما ارتفعت إلى 80 ألف حالة خلال خمس سنوات مضت، إلا أن ملفات الزواج بأجنبيات رغم تعقيدات إجراءات تسجيلها، يتحول كثير منها إلى ملفات قضايا بمحاكم الأسرة ونزاع على حضانة أطفال.
وينظر الغرب إلى الطفل حال نزاع أو تفرق الأبوين كصاحب حقوق أصيلة، فتحمّل قوانين دول ومنها الإسكندنافية الزوجين تداعيات الطلاق، فتقضي باقتسام ممتلكاتهما وأموالهما فيما بينهما مع ضمان حياة آمنة للطفل، وتصنف رؤيته كحق أصيل له وليس للأب، وتقتسم قوانين أخرى مدة الحضانة بين الأبوين، فلا تحصرها في ساعة لقاء بنادِ في نهاية الأسبوع كما يفعل القانون المصري الذي يرونه متعسفًا ومخرجًا للأب من معادلة بناء مستقبل الطفل حال الطلاق، وتعترف وتطبق أسلوب المعايشة للطفل مع الأبوين مكتفية بحقهما في الانفصال عن بعضهما وفقط.
سيكون لزامًا على مصر التعامل مع مستجدات قضايا الزواج المختلط وتداعياته التي تزعج الآن المجتمعات الغربية المتعجبة من عدم إنفاذ القانون وأحكامه كثيرًا لدينا، وربما أصبح "عالم العيال الأجانب" الذي يستهزئ به مسئول صغير عندنا متى تعامل مع ملف قضية طفل من زواج مختلط، ملف أكثر سخونة يضاحى في مستوى أزماته قضايا الإرهاب والاتجار بالسلاح والبشر والمخدرات، ملف تحتاج مصر معه إلى حماية نوعية لحدود دولة القانون، وجزء منها التزاماتها الدولية المقررة بحكم المواثيق والمعاهدات والدستور أيضًا.