رئيس التحرير
عصام كامل

صبحوا على مصر بـ«وثيقة بنمية»


رغم إعلان الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، عن تسريب أكثر من 11 مليون وثيقة تكشف عملية إخفاء مليارات الدولارات من قبل قادة وسياسيين من مختلف دول العالم، منهم 21 شخصية مصرية حسب الصحفي المصري المشارك بالفريق هشام علام، إلا أن ساكنًا لم تحركه الحكومة المصرية تجاه محتوى وإعلان التقرير، أو اتخذت خارجيتها أو أجهزتها القضائية إجراءات تتناسب ومزاعمها حول مفاوضات سارية بشأن استرداد أموال مهربة منذ 2011.


وثائق بنما، التي تم تسريبها من شركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية، وتوضح كيف ساعدت عملاءها على غسيل الأموال وتفادي العقوبات والتهرب من الضرائب، عمل عليها 400 صحفي من 80 دولة، يتحدثون خمس وعشرين لغة، بينما نحن لا نملك متحدثًا بلغات حية بمكتب التعاون الدولي لدى النائب العام بفريق التفاوض على استرداد أموال مهربة بسويسرا، سوى المستشار الشاب كامل جرجس.

وبحسب موقع الاتحاد الدولي، فإن «بان ورلد انفستمنت»، هي شركة مملوكة لنجل الرئيس الأسبق مبارك تم تأسيسها بجزر العذراء البريطانية، ويديرها بنك كريدي سويس، وهو ما يعيد التذكير بشأن حكم القضاء المصري النهائي بإدانة مبارك وأسرته بقضية القصور الرئاسية، ووجود فرص لدى الحكومة المصرية لطلب فحص تلك الأموال الموجودة ببلدان أخرى بناءً على التزامات دولية على حكوماتها بالتعاون لإعادة هذه الأموال إذا ما ثبت خروجها بشكل غير شرعي أو إدماجها بعمليات غسيل مجرمة.

ونتج عن تحرك شعوب وحكومات بلدان أخرى وردت أسماء شخصيات مسئولة فيها بالتقرير، أن صرح رئيس بنما خوان كارلوس فاريللا بأن حكومته مستعدة للتعاون مع أي تحقيق في هذه القضية، كما فتحت النمسا وهولندا وأستراليا تحقيقات في القضية، فيما غابت ردود الأفعال تجاه حديث الوثائق عن أسماء مقربين للرئيس الروسي بوتين، والليبي القذافي والسوري الأسد، وشخصيات خليجية أخرى.

بينما قدم رئيس الوزراء الآيسلندي سيغموندور غونلوغسون استقالته من منصبه، وطلبت هيئة الدخل والجمارك في بريطانيا من الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية أن يشاركها جميع المعطيات التي لديه، وقالت وزارة المالية الفرنسية: إنها طلبت الوثائق الأصلية للتسريبات لإجراء تحقيقاتها، أما مصلحة الضرائب في أستراليا فقالت إنها تحقق مع 800 شخص وردت أسماؤهم في الوثائق.

هذا ما يدور في بلدان العالم بعد إعلان تلك الوثائق التي لا نطلب من جهات التحقيق القائمة على استرداد أموال منهوبة موجودة بالداخل أو مهربة إلى الخارج إلا التعامل مع معلومات بشأنها بشيء من الجدية، وبدلًا من تجميد ملفات استردات أموال بالداخل وعزل رئيس جهاز رقابي كبير تحدث عن فاتورة للفساد وجرى حظر النشر بتحقيقات قضية اتهامه، كنا نريد أن تطلعنا لجنة استرداد الأموال المهربة على إنجازاتها في هذا الملف.

ثم كيف تنظر حكومة إلى قدرات نظيراتها على التفاوض بشأن إتاحة معلومات حضرت بوثائق بنما بغرض الوصول إليها وفتح تحقيقات مع مسئولين لديها تزعم الوثائق تورطهم بجرائم غسل أموال أو تهرب ضريبي، بينما تقف حكومتنا عاجزة عن إقناع نفس حكومات تلك البلدان بضرورة تفعيل التعاون الدولي المشترك الوارد باتفاقيات مكافحة غسيل الأموال والفساد واسترداد الموجودات، وهو الإجراء الذي لا تقبل عليه تلك الحكومات قبل مراجعة قطاعاتها المصرفية وجهاتها القضائية التي تعيد النظر بحيثيات أحكام القضاء المصري ضد مهربي تلك الأموال؟

إن حكومات مصرية متعاقبة لم تنجز شيئًا في قضية استرداد أموال مهربة غير مشروعة وموجودات بالخارج، حتى الآن، لا يمكنها إقناع شعبها بالتبرع لإنقاذ اقتصاد، وتكفيها عطايا رجال أعمال ارتبطت سيرتهم بالدلع والميوعة في التعامل مع شركاتهم واستثماراتهم.

ولا أظن أن رسالة من النظام المصري إلى بنما أو الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية أو حكومات المهرَب لأموال منهوبة، ستضر بسمعته وسيرته أمام الرأي العام العالمي، إذا ما خاطب أي جهة مطالبًا إياها بأن «تصبح على مصر بوثيقة» أو دليل يمكننا من معرفة حقيقة وحجم الأموال المهربة المدمجة في اقتصاديات دول أقامت إحداها الدنيا ولم تقعدها منذ مقتل مواطن لها على أراضينا.
الجريدة الرسمية