تعديل «رئاسي» محدود
تستطيع ولو دون قصد، بعد مرور أقل من عامين على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن تسمى التغيير الوزاري الأخير «التعديل الرئاسي»، وأقصد به تحديدًا تحميل الرئيس نفسه شيئًا كبيرًا من المسئولية عن اختيار وتغيير وجوه ربما لم تنجز شيئًا أو هي كذلك بالفعل، مع تزايد الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وازدياد الشعور العام بالإحباط والاكتئاب.
التعديل الوزاري الأخير هو الثالث منذ تولى السيسي المسئولية وكلف إبراهيم محلب في 17 يونيو 2014 بتشكيل الحكومة، الأول تم في 5 مارس 2015 وشمل 8 وزراء جدد، وبعد مرور 6 أشهر تم إقصاء حكومة "محلب" بأكملها وحضرت حكومة شريف إسماعيل في 19 سبتمبر بــ33 حقيبة مع ظهور 16 وزيرًا جديدًا واستبدال وزارة واستحداث أخرى.
10 وزراء و4 نواب جدد أدوا اليمين الدستورية أمام الرئيس، إلا أن أسئلة مشروعة تظل في هذا التوقيت الحرج دون إجابة ومنها:
لماذا لم تتم تسمية وزير لحقوق الإنسان في ظل تزايد حالة التوتر في علاقة المواطن بأجهزة ودواوين الدولة، واتساع الفجوة بين فهمه حقوقه وواجباته بغض النظر عن موقعه؟!!
ولماذا تمت تسمية محافظ القاهرة وزيرًا للنقل، وهو من فشل في حل أزمات العاصمة التي تحولت بمرور الوقت إلى مقلب للقمامة وتنوعت أشكال البناء العشوائي داخلها، حتى إن أزمة "التوك توك" فشل في التعامل معها، ليحضر بعدها قائمًا على مرافق النقل بالجمهورية كافة؟!!
ما هي المعايير التي تم على أساسها اختيار وزير العدل الجديد، بعد إحباطين أصابا المصريين من سابقيه، وهل الاختيار الجديد أتى بالقادر على معالجة "الفجوة النفسية" بين المواطن وفئة القائمين على منظومة العدل والقضاء بمصر، أم أن المستشار محمد حسام يحمل أيضًا مشروعًا لإنقاذ وتطوير مرفق العدالة كاملًا؟!
وهل يعنى تغيير وزير المالية وتعيين ثلاثة نواب للوزير الجديد عمرو الجارحي، مواجهة أزمات الدولار والتضخم والاحتياطي النقدي وغيرها بإجراءات تقشفية يجيدها الرباعي الجديد، أم أن حضوره مرتبط بإحياء ولفت الانتباه لتسمية وزير لقطاع الأعمال العام ومحاولة الاعتماد على الذات وإعادة تشغيل شركات ومصانع لوقف نزيف الاستيراد ومؤشر التضخم وضبط الأسعار ومنع تسريح المزيد من العمالة؟
هل جاء تغيير وزير الري نتيجة لدور متراجع لعبه في مفاوضات سد النهضة، وما طبيعة الفشل أو معدلات النجاح التي وصل إليها، وما الرؤية التي تقدم بها الوزير الجديد محمد عبدالعاطي للنظام كي يؤمن به بديلًا مناسبًا الآن، خصوصًا أننا مقبلون على مرحلة غير تقليدية من الفقر المائي توازيها أحلام بمشاريع كبرى؟
وهل جاء اختيار خالد العناني وزيرًا للآثار بناءً على مشروع تقدم به للسيطرة على مناطقنا التراثية وحمايتها وآثارها؟ أم أن توسيع التغيير "المحدود" مطلوب في الوقت الراهن واستدعى ضم العناني كما حدث وتم ضم محمد سعفان وزيرًا للقوى العاملة؟
التساؤلات لا تبتعد كثيرًا عن اختيار يحيى راشد للسياحة وداليا خورشيد للاستثمار، وهما قطاعان بهما من الأزمات ما يكفى لتأكيد مشروعية مشاركة صاحب المصلحة الحقيقية، المواطن، في رسم خريطة المستقبل التي لم يحصل خلالها سوى على استحقاقات سياسية متآكلة نتائجها على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
ثم هل يمكننا أن نقبل بفكرة "تعديل رئاسي محدود" على التشكيل الوزاري بطريقة تختلف عن الماضي، وسط ظهور صراع بين أجنحة بأجهزة الدولة بات المواطن يلمسه ويتعايش معه ويدفع ثمنه؟ أم أن الطريقة التقليدية لاختيار الوزراء، والتي تعتمد تقارير أجهزة بعينها، هي من أتت بهؤلاء واستبعدت أولئك؟
أسئلة تنتظر إجابات من الرئيس السيسي ورئيس الوزراء، نتمناها مع أداء الحكومة "المعدلة" على غير ما أتت به السابقة فأصابتنا بالإحباط وحملتنا نتائج فشلهــا.