لماذا يغيب المجلس القومي في أزمة المنظمات؟
هل تذكرون كيانًا يسمى "المجلس القومي لحقوق الإنسان" بمشروعاته وأنشطته ومصادر تمويلها ومن يحملون عضويته من شخصيات عامة ووجاهتهم وبدلاتهم؟ أم أن ما يشغل بالكم الآن أخبار متناثرة هنا وهناك عن إحياء القضية " 173 تمويل" التي اصطفى المناهضون لحقوق الإنسان هذا المصطلح لها، خصوصًا بعد قرارات لقضاة تحقيق ينظرها القضاء خلال ساعات بمنع مديري منظمات مصرية من التصرف بأموالهم، وحرمان آخرين من الحق في التنقل والسفر؟
الرابط المشترك بين "المجلس القومي" و"المنظمات" المصرية المتهمة في القضية، لم يكن فقط حقل العمل "حقوق الإنسان"، بل ظلت أنشطة تلك المؤسسات مرتبطة لسنوات برباط غير ضعيف بالمجلس ذاته، والمنشأ بالقانون 94 استجابة لما شهدته المنطقة من تقلبات عام 2003 خصوصًا مع احتلال العراق وتزايد ضغوط مثقفين بشأن تسبب الطغاة في جلب الغزاة، فيما كانت مناسبة رحيل بطرس غالي رئيس المجلس الأسبق فرصة لاسترجاع مديرى منظمات ذكرياتهم معه، فسارعوا بنشر صور أرشيفية لهم أثناء توقيعهم بروتوكولات تعاون في السابق مع المجلس.
بل إن المجلس في تشكيله الجديد عقب ثورة 30 يونيو 2013 شهد دخول شخصيات توقع منها كثيرون نشاطًا غير محدود وتعاونًا أكبر مع المؤسسات الأهلية، إذا راجعت سيرهم الذاتية، إلا أن أمرهم توقف عند حدود أدنى مما توقعه كثيرون، وكانت استقالة المحامي "نجاد البرعي" في 26 يناير 2014 من عضويته كاشفة تراجع هذا الدور.
المجلس يقف الآن صامتًا أمام أزمة منظمات "مصرية" يُتهم مديروها ومؤسسوها في خدمة العمل الأهلي والعام، بتلقى تمويلات أجنبية، رغم أنها أسهمت بمقترحات نافعة للجنة الخمسين في صياغة دستور 2014، ورفضت انفراد الإخوان بصياغة دستور مصر في 2012، وفضحت تزوير انتخابات برلمان 2005 و2010، وكانت مراقبتها انتخابات الرئاسة 2014 ومجلس نواب 2015 وقبلهما الدستور الجديد، حصنًا لحكومات ما بعد 30 يونيو في مواجهة تدخلات دولية في الثورة المصرية.
المؤسسات بأشكالها القانونية المختلفة قدم القائمون عليها جهدًا كبيرًا في دعم حقوق الإنسان وحركة التنمية، ونالت ثقة المواطنين بمشروعات التمويل الأجنبي مع شركاء أهليين أكثر من مثيلاتها المنفذة مع جهات حكومية تتلقى تمويلات مشابهة بقرارات أممية، وكلما زاد التضييق على أنشطتها زادت انتهاكات حقوق الإنسان دون حركة مقاومة وردع لها، كالتعذيب والاختفاء القسري والفصل التعسفي وغيرها.
هؤلاء الآن يحاكمون رافضين الهروب، ويقف المجلس القومي "شريكهم الافتراضي" في الدفاع عن حقوق الإنسان، صامتًا تجاه التضييق على أنشطة مؤسساتهم، حتى إن 16 منظمة خاطبت منذ أيام، زيد رعد، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لتعرض ملفات حقوقية أساسية عليه أبرزها حرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع، بعد مرور عام ونصف العام على قبول مصر لمجموعة من التوصيات الدولية حول تلك الملفات، متجاهلة وجود المجلس.
البعض اعتبر إثارة وتطور ملف القضية "173 تمويل" خلال الساعات الأخيرة نوعًا من الرد على اتهامات دولية للحكومة المصرية بشأن تراجع أدائها تجاه الحقوق والحريات، إلا أن ملف القضية ذاته يحمل إنذارًا خطيرًا لفصيل مهم شريك في بناء الدولة بعد ثورتين كان موقفه داعمًا لهما بدوره التوعوي التنويري الرقابي، ودعمه القانوني والمدني، ومن ثم بات النظام نفسه وكأنه مسهم، بنظر البعض، في عملية تصفية شركاء 30 يونيو التي تمثل نتيجة وامتدادًا لثورة 25 يناير حسب الدستور.
العقوبة التي لا يتحملها شركاء في صنع مستقبل الوطن هي الحرمان والحصار والتشويه، وهى أكبر مما يتوقعه البعض من الحبس لأشهر أو الغرامة، وربما سعى كثيرون لخلط الأوراق أمام الرأي العام بتصوير حضور أنشطة الجمعيات في "مناخ سياسي" على أنه "عمل سياسي" في حد ذاته، وتلك آفة برامج الردح المسائي على قنوات رجال أعمال لا تزال مراكب بعضهم المشبوهة خارج مسار الملاحقة، ولا يغلبها سوى صمت المجلس القومي لحقوق الإنسان تجاه طبيعة قضية وأزمة المنظمات برمتها.