أبو حلموس… أنقذنا
أربعة مشاهد مدهشة إلى حد الصدمة، المشاهد تؤكد بما لا يدع مجالا للشك؛ أن الكثير من مناطق العمل الفنى والسياسي في مصر ينقصها المخرج الجيد، فيما يوحي بأن زمن عمالقة الإخراج الفني قد انتهى بلا رجعة، ومعه انتهى عصر الإخراج السياسي، بعد أن أصبح سامح سيف اليزل زعيما سياسيا في غفلة من الزمن، ودون أي مبرر منطقى.. ليس بقصد الإساءة إلى الرجل بقدر ما هو ترجمة لواقع أليم.
المشهد الأول: قوة من مباحث القليوبية تتوجه إلى منطقة الزاوية الحمراء التابعة أمنيا للقاهرة، وهو ما يوحي بأن تنسيقا فنيا قد جرى بين المحافظتين للقبض على الشقى الخطر "كوريا".. بقية المشهد دموية ومحزنة وأليمة.. تسيل الدماء من واحد من أبناء مصر ويسقط شهيدا في دقائق معدودة ويخرج القاتل رافعا سلاحه.. يخرج إلى حيث يريد.. سالما غانما دون أي مقاومة.. أين بقية القوة المرافقة؟ ألم يكن بينهم رجل يثأر لدماء "زكية" سالت أمامه.
مهما كانت المبررات، القاتل يخرج كأبطال السينما والشهيد يسقط بلا ثمن.. والرفاق يهربون، يختفون مذعورين، خائفين، والكاميرات تتحرك على وجه البطل المنتصر.. مشهد يوضح لنا كيف ينتصر الظلم على العدل! كيف ينتصر الإجرام على السلطة! كيف ينتصر المجرم على حارس الحق وأداة القانون! مشهد يشير إلى استهانة التحضير لمواجهة قتلت واحدًا منا، من المفترض وحسب كل مشاهد التاريخ أن يظهر في نهاية اللقطة ممسكا بالمجرم وسط تصفيق الجماهير.
المشهد الثانى:
مجلس النواب يجتمع لمناقشة الخلاص من توفيق عكاشة، صاحب أكبر شعبية في مصر، وفق أرقام التصويت المعلنة من الجهات الرسمية في آخر انتخابات.. السبب أن الشقى توفيق عكاشة التقى السفير الإسرائيلى، ورغم أنى أبغض كل من يلتقى ممثل قتلة أشقائنا في فلسطين فإن مبرر مجلس النواب لم يكن ذا حبكة قصصية، ولا سيناريو جيد، وقبل هذا وذاك لم يعرض على مخرج رغم وجود خالد يوسف بين أعضاء المجلس الموقر.
مشهد النواب وهم يسقطون زميلهم أظهر بعض أصابع من يمسك بالريموت كنترول، ويدير به مجلسا منتخبا انتخابا مباشرا من الشعب.. الذين جاءوا إلى البرلمان بالإرادة الشعبية أسقطوا زميلا لهم جاء بذات الإرادة، والسبب كما ذكر الروائى الساذج هو صاحب القصة أو مشهد لقاء سفير إسرائيل..
المثير أن رئيس المجلس الموقر عبر عن احترام مجلسه المعاهدات والاتفاقيات مع إسرائيل، وهو وفق نفس المخرج ما يفرض علينا أن نحاكمه ونسقط عضويته بتهمة ازدراء اتفاقيات وقعتها الدولة المصرية !!
المشهد الثالث:
تحريات مباحث الجيزة حول واقعة الادعاء باعتداء الممثلة ميرهان حسين على كمين شرطة بالهرم، قالت تحريات مباحث الجيزة - تحت إشراف لواءات كبار وعمداء أقل درجة وعقداء ومقدمين ورواد و... و... و... و... و... إلى آخر تلك القائمة، التي يصر زملاؤنا في صفحات الحوادث على كتابتها قبل أي حادث وبعده.. قالت التحريات المزعومة والتي لم تراجعها إدارة إعلام الوزارة قبل بثها إلى وسائل الإعلام.. قالت كلاما مدهشا، فهمت منه أن ميرهان قاومت السلطات، وشربت الخمر داخل السيارة، ودهست ضابطا بسيارتها، وسحقت آخر بأظافرها، وفجأة اخضرّ وجهها ونبتت عضلاتها، وانتفخ ذراعاها وتحولت إلى العملاق الأخضر، بعد أن أخرجت كيس «كرانشي» أمام المارة وأكلته، خاصة أنها تسكن منطقة «ماونتن فيو»!!
قالت تحريات الرجال الكبار إن ميرهان كانت قادمة من طريق "المنصورية- الهرم"، وتسير بسرعة جنونية، وأتصور أن علينا أن نراجع قوانا العقلية قبل أن نترك هذه العبارة إلى غيرها، حيث إن هذا الطريق أعقل من أن تسير عليه بسرعة جنونية.. هذا للعلم فقط.
وقالت التحريات: إن مطبا صناعيا قبل الكمين بمائة متر تخطته الممثلة دون إبطاء السرعة، فاتجه الضباط إليها وطلبوا منها الوقوف.. تصوروا واحدة تسير بسرعة جنونية، ويتمكن الضباط من الوصول إليها قبل الكمين والمسافة كلها مائة متر.. خيال علمي طبعا!!
وذكرت التحريات التي قادها جنرالات كبار أن الممثلة قدمت للضابط بطاقة الرقم القومى، ورفضت إعطاءه الرخصة إلا بعد تكرار الطلب-غلاسة طبعا من ميرهان- وعندما رضخت واستفاقت من "حبة الخمرة" قدمت الرخصة التي سقطت على الأرض، يبدو أن الرخصة واخدة كاسين برضه.. المهم أن الضابط المسكين حاول التقاط الرخصة، إلا أن الممثلة المجنونة صدمت الضابط بالسيارة… لحظة يا جماعة.. كيف صدمته وهو من المفترض يقف بجوار شباك قائد السيارة.. عادى مش مهم.. من المحتمل أن تكون سيارة ميرهان واخدة كاسين أيضا و"بتتطوح".
وأوضحت تحريات فريق البحث الجنائي أن ضابطا آخر تمكن من التقاط مفتاح السيارة، بعد أن صدمت زميله… ركزوا لو سمحتم.. من المفترض حسب هذا المشهد أن ميرهان صدمت الرجل في حركة سينمائية، وأرادت الهروب.. كيف تمكن ضابط من التقاط المفاتيح.. أمامه طريقتان، أن يكون قد مد يده ودخل بجسده كله من شباك قائد السيارة، وهذا مستحيل، أو أن يكون قفز داخل السيارة من الناحية الأخرى وهذا أيضا غير منطقى.
الضابط الماهر التقط المفتاح وأيضا شدها من ذراعها بالقوة.. عادى.. مجرمة، وسكرانة، ومقاومة للسلطات، وتصدم الضباط بسيارتها تستاهل.... طبعا توجهوا بالممثلة إلى النيابة.. ومن النيابة في حراسة أمنية مشددة إلى مستشفى الهرم.. طبعا مشددة.. فمثل هذه الأشكال يجب أن تكون حراستها مشددة.
هذا المشهد يوحى بأن السادة في مباحث الجيزة بحاجة إلى مخرج سينمائى، لكي يشرح لهم ولنا المعقول واللامعقول، ويوضح لهم ولنا أن لدى الناس عقولا تفكر وتبحث، وتدرك، وتفهم، وبالتالي يجب احترام عقول البشر.
المشهد الرابع: قدمت قناة الحياة فيلما أطلقت عليه مهمة خاصة لمجموعة من ضباط القليوبية، وعدد من الأفراد يقومون بعملية عسكرية خاطفة لإنقاذ مواطن مخطوف.. ما عرضته القناة فضيحة بكل المقاييس.. رجال مباحث الواحد منهم يحمل "كرشا" أمامه بحاجة إلى عملية تأديب وتهذيب وإصلاح.. يسيرون في الجبل، وكأن أرجلهم مثبتة في الأرض والكاميرات تصور، وكأننا في مشهد سينمائى ساذج.
كاميرات أمامية وأخرى خلفية، ومذيع أكثر سذاجة، وضباط بحاجة إلى ضباط كومبارس من السينما، يعلمونهم كيف يكون الجرى.. المهم أن المشهد ينتهي بلقطة العمر لمذيع يعرض على السادة المشاهدين كوب شاي فارغا وباكيت شاى الجوهرة و…. و……. وهكذا يبدو للقاصى والدانى أن السادة بمديرية أمن القليوبية والسادة بمركز الإعلام الأمني، والسادة بقناة الحياة، قد قدموا عملا أساء إلى كل الجهاز الأمني، لأنه باختصار يفتقد الرؤية الواقعية.. يفتقد المخرج.. تنقصه فكرة الإخلاص ويسيطر عليه «تستيف الأمور وتسطيح العقل».
إلى كل هؤلاء ندعوهم لمشاهدة أبو حلموس الذي علم اللص كيف يكون لصا مقنعا.. المشهد الأول حمل نوعا من الفبركة.. فبركة القوة.. فبركة الخطة.. فبركة التخيل، فكان أن قتلنا شابا مصريا من بين أبنائنا المجاهدين ضد الباطل الإرهابى.
المشهد الثانى.. افتقد الرؤية السياسية العميقة، والقدرة على احتواء أو وضع مشهد أكثر واقعية، للخلاص من عضو مجلس نواب خارج السيطرة.. خارج السيطرة العقلية والمنطقية، وكل ألوان السيطرة المتعارف عليها، فبدا الأمر وكأنك تصنع أزمة بلا مبرر.. أزمة جعلت البعض يتساءل: ما هو سبب إسقاط عضوية توفيق عكاشة؟ وهذا يعني أن الناس لا تصدق المجلس فيما طرحه على الناس من أسباب.
في المشهد الثالث.. يبدو أن السادة ضباط التحري لا يعتقدون أن في الناس عقولا تفكر، فكتبوا كلاما ساذجا أساء إليهم وإلى مؤسستهم دون أن يبرعوا حتى في الخداع، أو إتقان الكذب، أو محاولة إجهاد أنفسهم فيما يقدمون، فليس من بينهم أبو حلموس، وليس فيهم من يقول إن التحريات شهادة حق أمام الله سنحاسب عليها.
أما المشهد الرابع، والمتورطون فيه قناة لها وزنها وإدارة الإعلام الأمني التي من المفترض أنها خسرت في هذا الفيديو ما حاولت أن تحققه من تواصل مع الجماهير على مدى عشرين سنة .. خسرت إدارة الإعلام احترام الناس لها، وظهر الضباط بحالة لا تليق، حيث لا حيوية ولا ديناميكية ولا حتى ملامح ضباط السينما.