حكاية بلاغ يبحث عن اختصاص
القصة ليست محضر سرقة أموال عامة، يتم تسكينه لقرابة العام ونصف العام في دهاليز النيابة العامة فقط، وهي أيضًا ليست واحدة من قصص العدالة البطيئة التي تقتل أصحابها، وهي في نفس الوقت ليست واحدة من ملايين القضايا التي تسكن الأدراج ولا تخرج ربما قبل خروج أرواح أصحابها، وإنما هي أكثر من ذلك بكثير.
في أكتوبر من عام ٢٠١٤ م تقدم عضو مجلس إدارة شركة «فاركو بي» ببلاغ يتهم محاسبًا بالاستيلاء على ٣٠ مليون جنيه من أموال الشركة التي تعد أموالها أموالًا عامة.. حصل البلاغ على رقم «١٩٩٦٥ عرائض نائب عام».. «أشَّر» سيادة النائب العام بإحالتها لنيابة الأموال العامة.. التي ارتأت أن البلاغ من اختصاص نيابة شرق الإسكندرية.. أيام.. واكتشفت نيابة شرق الإسكندرية أن البلاغ من اختصاص نيابة سيدي جابر!!
استمعت نيابة سيدي جابر لأقوال العضو المنتدب، وجمعت كل المستندات المقدمة من صاحب البلاغ، وتصور الرجل أن الأمور تسير في طريقها الصحيح أخيرًا، إلا أن نيابة سيدي جابر أرسلت البلاغ إلى النيابة الكلية.. تمضي الأيام ورجال القانون يبحثون عن السبب.. كانت الإجازة الموسمية قد طرقت أبوابها؛ فحصل سيادة وكيل النيابة على إجازته، تاركًا أوراق المحضر مغلقًا عليها بمكتبه، وعندما عاد بسلامة الله استعلم رجال القانون عن مصير المحضر، حيث تبين للجميع بعد شهور أن انتقال البلاغ للنيابة الكلية، إنما جاء لإحالتها إلى نيابة العامرية للاختصاص.. أي والله !!
بالطبع، لم تصمت نيابة العامرية إزاء هذا التحول في الموقف، فتدارست الأمر، وبعد أخذ ورد، ودراسة وفحص، تبين لها بعد انكشاف الأمر أن الاختصاص متساوٍ بين نيابة العامرية ونيابة سيدي جابر، وبالتالي أحالتها مرة أخرى إلى نيابة سيدي جابر، ورغم أن الاختصاص متساوٍ فإنها لم تحقق الملف، وإنما قررت إحالته إلى المتساوى الآخر معها للتحقيق، وحتى الآن وحتى كتابة السطور لا تزال أوراق الملف بنيابة سيدي جابر، حتى يقضي الله أمرًا كان مقضيًا.
لا يزال صاحب البلاغ ينتظر منذ أكثر من ١٦ شهرًا التحقيق مع المتهم، خاصة أن الأوراق والمستندات تثبت تورطه، غير أن سيادة المتهم علم بواقعة البلاغ منذ ستة عشر شهرًا ولم يستدعه أحد، ولم يحقق معه أحد، إذ أن كل "الآحاد- جمع واحد"، كانت مشغولة باختصاص البلاغ.. ستة عشر شهرًا لتحديد الاختصاص.. ستة عشر شهرًا وصاحب البلاغ ينتظر التحقيق مع المتهم، ومن ثم إحالة البلاغ إلى المحكمة ليحصل على حقه إن كان له حق.
ستة عشر شهرًا وصاحب البلاغ نفسه يعتقد أن له حقًا لدى المتهم.. ستة عشر شهرًا ولا يزال المتهم في عُرف صاحب البلاغ متهمًا.. ستة عشر شهرًا ومحضر يتنقل من مكتب إلى آخر.. من نيابة إلى أخرى.. ثلاثون مليون جنيه لم تكن تساوي قدرًا من الاهتمام لتحديد الاختصاص، ليبقى الجميع في انتظار تحديد الاختصاص.. ولكم أن تتصوروا إذا ما كان صاحب البلاغ لديه طموح في تحقيق قضيته أو حصوله على حقه.