رئيس التحرير
عصام كامل

استقالة حزبية بطعم المورينجا


لم أقرأ أسبابًا منطقية وصادمة لاستقالة قيادة من حزب "كبير" كالتي وردت باستقالة أمين شرق القاهرة بحزب التجمع نبيل محروس، التي تقدم بها قبل أيام، وعبرت عما آلت إليه الأوضاع داخل أحزاب أصبحت "تاريخية" بأفعال قياداتها، ولا علاقة لها بالشارع بحسابات إنجازاتها الشعبية المعدومة والبرلمانية الشرفية.


الاستقالة جاءت ردًا على إحالة صاحبها "الكادر المجتمعي" إلى التحقيق وإغلاق مقر الحزب أمام نشاطه المتزايد، لتعود الفئران تعبث داخله حسب وصف البعض، بعد أن توالت استقالات أعضاء آخرين احتجاجًا على ممارسات قيادات حزبية مرفوضة،بعد اتخاذ هؤلاء موقفًا غريبًا عقب إعلان "محروس" وآخرين توفير فرص عمل لشباب دائرة الزيتون وإطلاق مشروع لزراعة أشجار "المورينجا" بشوارع الحى بالتعاون مع جهات تابعة لوزارة الزراعة، وهى الأفكار التي خرج صاحبها من الحزب لتقديمها إلى المجتمع بسهولة.

فجأة كان موقف أصحاب الحزب، الفاشل مرشحوه في الحصول على أكثر من مقعدين بالبرلمان أحدهما بالتعيين، من هدف "نبيل"، أقرب إلى محاولة صناعة صورة جديدة من نموذج "محروس بتاع الوزير"، مع الفارق بين غياب سيرة الوزير وتزايد شعبية "محروس" بين الناس عن سير أرباب السياسة المحنطة التي تجاوزت حاجز العقل باتجاه معارك في الفراغ على العدم، ليثار التساؤل مجددًا عن أسباب احتفاظ أرباب فصيل أصيل من اليسار المصري "سابقًا" بعجرفة غير مبررة اتسعت بسببها الفجوة بينهم وبين الناس وحولت مقار لقاءاتهم المحدودة إلى أماكن أشبه بالمقابر.

الاستقالة ضمت اتهامات لقيادات حزبية بالشللية وغياب رؤية واضحة لربط خطاب الحزب بواقع الشارع المصرى، وانفصال قياداته عن المواطنين، وإصرار الحزب على دعم نفوذ الفاشلين جماهيريا رغم اتهامهم بإهانة أعضاء جدد أعادوا الروح لجسد ميت، وعرقلة الجهود الساعية نحو تطوير نشاطه في خدمة الجماهير وتثقيفها وجذبها للعمل السياسي عبر النشاط المجتمعي، وهو ما كان يتم عبر منتدى ثقافي استضافه مقر الحزب قبل عام ونصف العام، وهو نفس المنتدى الذي ناقش أفكار دعم سكان شرق القاهرة التي أحيل بسببها صاحب الاستقالة للتحقيق.

وحملت الاستقالة سخرية ممن يرون أنفسهم "رموزًا" للعمل السياسي ووصفت العمل داخل الحزب بأنه يمثل "مضيعة لوقت ثمين يحتاجه المواطنون في الشارع"، وهو سبب جوهرى أصيل في علاقة كثيرين من أبناء "التجمع" بالحزب، والذين تركوه يومًا ما للانخراط في أنشطة جمعيات العمل الأهلي أو تأسيسها، كما وصفت الاستقالة "أصحاب الحزب" بالخاسرين وأكد صاحبها أن المجتمع المصرى "دون فشلهم يسير إلى الأفضل بالتأكيد".

هكذا أصبحت علاقة الأحزاب التاريخية بالشارع واكتفت قياداتها باتهام الناس بالابتعاد عن السياسة والعمل التنظيمي، لاحظ أن حزبًا ناصريًا عقد عموميته لانتخاب رئيسه في ذات توقيت استقالة "محروس" باجتماع أقل من 300 عضو..!! بينما الحزب التاريخي الليبرالي "الثالث" بعيد تمامًا عن اهتمام رجل الشارع المنبهر بأداء حزبي الموضة الليبرالية "المصريين الأحرار ومستقبل وطن" وحصد الإثنان أغلبية بانتخابات برلمانية أدارتها حسابات المال والإعلام وصراعات الأجهزة على حساب صوت الناخب.

أؤمن كغيري بأن الأحزاب التاريخية تحيا أزمة تسببت فيها فترات حصار أمني لها قبل أن تصل مرحلة التدمير الذاتي بفعل تغييب الديمقراطية داخلها، لكنها ستنتهى بالتأكيد رغم أنف من أراد القضاء على حالة سياسية صحية، لن تعالج أسباب انهيارها ظهور أحزاب مستنسخة من أفكارها الأصيلة أو هروب نشطاء حزبيين مؤقتًا إلى العمل الحقوقي والتنموي، وستعلو القيم المؤيدة في مرحلة إعادة بناء الوطن، لفكرة التكامل بين الرؤية السياسية واحتياجات الشارع، ويُزيد فرص حضور هذه الرؤية وتلك القيم، انتصار رأس المال المشبوه مؤقتًا في معركة الاستحقاق الثالث ونكسته في برلمان لا يدافع عن استحقاقات المصريين.
الجريدة الرسمية