رئيس التحرير
عصام كامل

إهدار أراضى الدولة في مصر


أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس الخميس القرار الجمهوري رقم ٧٥ لسنة ٢٠١٦ بتشكيل لجنة برئاسة المهندس إبراهيم محلب تضم وزير التنمية المحلية، ومستشار رئيس الجمهورية لشئون الأمن ومكافحة الإرهاب، وممثلًا لوزارة العدل، وممثلًا عن وزارة الدفاع رئيسًا للأمانة الفنية للجنة، وممثلًا عن كل من وزارة الداخلية والمخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، ومصلحة الشهر العقاري وهيئة المساحة المصرية.


وتختص اللجنة وفقا للمادة الثانية من القرار بحصر كافة الأراضي التي يثبت الاستيلاء عليها بغير حق، واستردادها بكافة الطرق القانونية، وحصر كافة الديون المستحقة للجهات صاحبة الولاية على الأرض وتصنيف المدينين بهذه المستحقات، والتنسيق مع الجهات صاحبة الولاية بشأن الإجراءات القانونية والإدارية المتبعة لاسترداد الأرض المستوى عليها ومتابعتها.

وتنص المادة الثانية من القرار أيضًا على استرداد أموال الدولة المستحقة في أي صورة كانت وفقا للقوانين المنظمة لكل جهة من جهات الولاية على الأراضي، وإعداد التقارير اللازمة التي تتضمن السلبيات التي أدت إلى الاستيلاء على هذه الأراضي، واقتراح الحلول للحيلولة دون تكرارها مستقبلًا، وإخطار جهات التحقيق بالجرائم التي تشكل عدوانًا على المال العام وباقي جهات الدولة لتحصيل مستحقاتها.

فيما تنص المادة الرابعة على أنه للجنة في سبيل أداء مهامها أن تستعين بما تراه من المسئولين والخبراء والفنيين من كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية، ولها أن تطلب من الجهات المعلومات والمستندات وأن تشكل اللجان الفرعية إذا اقتضى الأمر ذلك بما يعينها للقيام بأعمالها.

وتنص المادة الخامسة من القرار الجمهوري على أن ترفع اللجنة تقريرها النهائي وما انتهت إليه من توصيات إلى رئيس الجمهورية، "دون أن يحدد القرار سقفًا زمنيا لعملها".

والقرار يعيد للأذهان دور لجنة فض منازعات الاستثمار التي تشكلت فى عهد مبارك وضمت 9 وزراء واتخذت قرارات لتسويات أزمات حول أراض كثيرة جرى استغلالها في غير الغرض المخصص لها وأغلبها كان للاستصلاح الزراعي حصل عليها كبار رجال الأعمال بالملاليم وقاموا ببناء منتجعات وفيلات عليها وأهدروا مشروعًا قوميا زراعيا للأسف، وصدرت ضد أغلبهم قرارات "قضائية" بعد بلاغات لنيابة الأموال العامة العليا في 2011 والتحفظ على أموالهم ومنعهم من السفر، إلا أن حكومة محلب ذاتها تراخت في تحصيل مبالغ غرامات وصلت 150 مليار جنيه حسب تقديرات مسئولى وزارة الزراعة.

كما أن القرار بتشكيل لجنة "تنفيذية" الطابع والعضوية وتخصيص مسئول جهة سيادية لأمانتها، يجعل الحديث عن غل يد القضاء كثيرًا عن تناول قضايا كهذه ومعاقبة المخالفين فيها أمرًا مقبولًا ولو شكليًا، خاصة بعد اختفاء سيرة "قاضى التحقيق" في بلاغات بهذا الصدد منذ تشكيل محلب لجنة لاسترداد أراضى الدولة، بينما الحال على ما هو عليه فيما يتعلق بأراضى وضع اليد أو أراضى الاستصلاح التي جرى تبويرها والبناء عليها، وهى القضايا الوحيدة التي كان يمكن من خلالها استرجاع أموال بالداخل لرجال نظام مبارك ومن والاه بالأخص، ومن بعده رجال حكم جماعة الإخوان.

وإذا كان دور اللجنة المشكلة استشاريًا فيما يبدو من مهامها الواضحة بالقرار، ويمتد أحيانًا ليكون فنيًا وتنفيذيا بعد استعانتها بخبراء من جهات أخرى لصياغة تقاريرها، فما الذي تفعله تلك الجهات في الأساس وأغلبها رقابية في تحصيت أراضى الدولة من السرقة واسترجاعها؟

لقد أصبحت أراضى الدولة الملف الأكثر فسادًا في مصر والصمت أو التحايل على إجراءات تضمن صونها، وهى التي تباع علنًا عبر شركات نصب بإعلانات مدفوعة بصحف قومية كبرى يوميًا للضحايا البسطاء والأثرياء على السواء، مسألة تثير الشكوك حول قدرة أجهزة ونوايا مسئولين على محاربة الفساد في هذا الملف بالتحديد، والذي تورط فيه كبار وصغار دون تمييز، حتى بات آخرون وسطاء مفتعلين يتقاضون الإكراميات والرشاوى لتخليص أراضى بدت وكأن لا صاحب لها.
الجريدة الرسمية