رئيس التحرير
عصام كامل

المسكوت عنه في خطاب الرئيس


لم أكن بالقاهرة وقت إلقاء الرئيس خطابه التاريخى أمام مجلس النواب، غير أنى تابعت ذلك عبر عدة نوافذ، وسعدت أن الرئيس لم يرتجل هذه المرة، فجاء خطابه محددًا دون مطبات، فلم يقطع حبل تواصلى معه سوى عشرات المرات التي حظى بها من تصفيق حاد، تحول في بعض الأحيان إلى حمى تنتقل للأعضاء بالعدوى، وفى المجمل العام عرج الرجل على عدة ملفات مهمة، إلا أنه أهمل ما هو أهم من وجهة نظرى.


لم يتطرق الرئيس إلى مشروع مصر القومى الذي يقفز بها بعيدًا عن حجم الإنشاءات، أو الحفر، أو الردم، أو الزراعة، أو حتى المواجهة الصلبة لحرب ضروس تخوضها بلادى ضد غول الإرهاب.. لم يتطرق الرئيس إلى مشروع تعليمى يضعنا بين الأمم الناهضة.. مشروع تقدمى تنويرى يتحمل أعباء المواجهة الحقيقية مع التخلف والجهل، الآباء الشرعيين للإرهاب، والتراجع والجمود والتقهقر.

لم يحدثنا الرئيس عن حلمه وحلمنا في منظومة تعليمية تعلى قيم التسامح، وترفع من قدر العمل، وتواجه البلطجة، والإرهاب، والتواكل، والتراجع، والعودة إلى الوراء.. لم يحدثنا الرئيس عن مشروع تعليمى ينفض غبار الكسل، والتسول، والاعتماد على الغير، ويضعنا بين الأمم التي نستحق أن نكون في مقدمتها؛ فظهر خطاب سيادته وكأنه يلملم الرتوق بقماش غير القماش وألوان غير الألوان.

لم يتطرق الرئيس من قريب إلى ملف الحريات، وعلى مقربة منه ما حدث في الجمعية العمومية لأطباء مصر الشرفاء الذين انتفضوا؛ لأن ملفهم اختلطت فيه منظومة العبث بكرامتهم مع حريتهم وآمالهم في وطن يحاسب ولا يتجنى.. أطباء ليست معركتهم مع أمين شرطة، أو ضابط غافل عن دوره الحقيقي.. معركتهم ياسيادة الرئيس هي نفسها معركتك من أجل كرامة المواطن.

ولم يحدثنا الرئيس عن ملف هيكلة الشرطة الذي بات منقذًا لأبناء الشرطة الشرفاء قبل غيرهم.. الهيكلة التي تقصى المرضى النفسيين، وتبعد غير القادرين على العمل، وفق منظومة مصرية تحافظ على الحارس والمحروس.. هيكلة تعيد للدماء الزكية الطاهرة التي بذلت من أجل الوطن قدرها وقيمتها وقامتها.. هيكلة تبعد المتلاعبين بكرامة الناس، وتحاسب المهملين، وتمنح الأبطال الذين يسهرون الليل على حماية بلادهم حقوقهم.

لم يحدثنا الرئيس عن ملف النقابات المهنية القادم بقوة.. كل نقابة بها ملف كفيل بهز عروش المستبدين.. ملف منظومة القوانين بنقابة الصحفيين وهو الملف المرشح بقوة للصعود إلى السطح، والصدام مع البرلمان قبل الصدام مع مؤسسة الرئاسة.. ملف الدواء بالصيادلة.. ملف المهندسين المعطل.. ملف الإعلاميين الذين يعيشون بلا نقابة.. ملف الحريات بكل ما يحمل من تناقضات.

أما الأكثر إلحاحًا فهو ملف الصحة المتراجع إلى حد الهزيمة.. الناس الذين يموتون يوميًا على أرصفة المستشفيات.. على البلاط.. في ممرات ينتصر فيها الموت على الأمل، ويعانى فيها المواطن كل يوم دون رحمة أو هوادة.. جدران بلا أدوية وأسرة بلا عناية، ومصحات تنقل الناس إلى الآخرة، بدلا من أن تخفف عنهم آلامهم.

ما قاله الرئيس كثير وصحيح ودقيق، غير أن ما لم يقله كان كثيرًا أيضًا، وكان لزامًا عليه أن يقوله أمام برلمان يجب أن يتحمل مسئولياته التاريخية؛ فالرئيس الذي أنجز في عامين كثيرًا من الملفات، لم يكن بحاجة لأن يصفق له برلمان يراقبه عشرات المرات.. الرئيس بحاجة لأن نقول له ونذكره ونسهم في ضبط أدائه ومساعدته في القيام بدوره.. الرئيس ليس بحاجة إلى منافقين فوجودهم في بلادى بالفطرة !!
الجريدة الرسمية