رئيس التحرير
عصام كامل

التطهر أو التطهير


تنفطر قلوب المصريين كلما تردد صدى خبر استشهاد أولادنا من قوات الجيش أو الشرطة أو المواطنين الذين لا ذنب لهم.. لا تزال آلة حصد الأبرياء تعمل وفق منهج عشاق الدم، ولا يزال رحيق الاستشهاد يعطر جنبات الوطن الأبى ليرسم واحدة من أروع لوحات البطولة يوما بعد يوم..ويوما بعد يوم، يتأكد لنا أن الأبطال لا يواجهون عدوا واحدا..لا يواجهون الإرهاب وحده.. لا يواجهون المؤامرة الخارجية وحدها.. شهداؤنا يواجهون الفساد.


كل شهيد يساء إلى دمه هو في معركة ضد الفساد..فساد أمين شرطة يرفع سلاحه في مواجهة الناس.. أمين شرطة يهدد أطباء أثناء عملهم.. أمين شرطة يعذب مواطنا أو يسيء إلى مواطنة..دماء الشهداء تفرض على وزير الداخلية أن يعكف على دراسة الواقع الفعلى لأفراد يسيئون إلى جهاز يدفع من دماء أبنائه ثمنا كل يوم..هؤلاء الفاسدون لا يجب أن تأخذنا بهم شفقة ولا رحمة..هؤلاء مكانهم الطبيعى في السجون.

أعرف ضابطا قضى حياته في خدمة الوطن، عاش في شقة «غرفتين وصالة» وترك لأولاده هذه الشقة وسيارة ١٢٨.. بعض الضباط كانوا يداعبونه «أمين الشرطة الفلانى اشترى سيارة أحدث موديل».. كان يرد بضحكة وهو يقول: ربما يكون قد ورث شيئا عن والده أو والدته.. أمثال هذا الضابط كثيرون.. وأمثال حاتم في فيلم «هي فوضى» أيضا كثيرون، وأصدق دليل على ذلك ما جاءت به تحقيقات فساد الداخلية التي أعاد فيها أمين شرطة مليونا و٥٠٠ ألف جنيه، في حين تبين أن جملة ما حصل عليه لواء كبير بالداخلية كان أقل من المليون.

بالطبع لا يمكن التعميم وبالطبع لابد وأن يكون من بين أمناء الشرطة رجال شرفاء، وبينهم من يديرون أقسام الشرطة لحسابهم..
«لو سمحت خليك في حالك».. تلك الجملة تلفظ بها أمين شرطة في مواجهة ضابط حاول التدخل لحماية أطباء المطرية.. تحول بعض الأمناء إلى أمراء أقسام الشرطة.. وأمام الاعتماد على هذا الصنف من البشر تعالت أصواتهم وأصبحوا هم الأصل وما دونهم مجرد «ضابط» يقال له «خليك في حالك».

أتصور أن وزارة الداخلية عليها أن تتطهر من الدم الفاسد دفاعا عن «الدماء الزكية»..عليها أن تتطهر ذلك أفضل من التطهير.. عليها أن تدرك أن حادثة تعذيب ضد مواطن يرتكبها فرد أمن «تعدينا إلى الوراء سنين»..وعليها أن تتطهر أيضا من هؤلاء الذين يتعاملون مع الأمور بمنطق ما قبل يناير، وأن تحاسب من قال للإيطاليين إن الطالب الإيطالى مات في حادث سير..على هؤلاء أن يحترموا عقول الناس حتى نمحو من ذاكرة الجماهير نكتة اعتراف أبوالهول بارتكاب جريمة القتل!!
الجريدة الرسمية