مدفن القاهرة الدولي للكتاب
بعد جولة قد تطول حسبما تتجاذبنى عناوين الكتب، أتوجه إلى حيث ملاذى..سور الأزبكية.. فيه تستطيع أن ترى نفسك ثريا وقادرا على امتلاك أعداد كبيرة من العناوين المثيرة والمهمة والمفيدة وتعود إلى منزلك ولا يزال جيبك «عمران».. كعادتى؛ انطلقت إلى حيث العيد السنوى للكتاب بأرض المعارض.. كان اليوم متربا غير مستقر.. مؤامرة مناخية حاولت عبثا أن تمنع الناس من الحضور غير أن الواقع كان عكس ذلك.
أسر مصرية بكامل أعضائها «الأب، الأم، الأولاد، وأحيانا يحيطون بالجد أو الجدة».. فلاحون وعمال.. طلاب وأساتذة، مصريون وعرب، وعدد لا بأس به من طلاب جامعة الأزهر من المبتعثين.. كوكتيل إنسانى غير عادى تجمعوا حول الورق وتنافسوا على حيازة الأفكار.. لم يعكر صفو تلك اللحظات إلا هذه المشاهد غير الحضارية من قمامة تسيطر على الموقع وفوضى تتحكم في كل شيء.
حلمى النمنم وزير ثقافة من النوع المغاير لكل السابقين له؛ فقد اعترك الحياة الصحفية والثقافية بدءا من حديقة نقابة الصحفيين، وانتهاء بمعارك ثقافية خاضها الرجل بوازع من ضميره الوطنى من أجل أن تتبوأ مصر مكانتها التي تليق بها.. وما شهدته بأم عينى في المعرض هذا العام لا يلتقى وأحلام النمنم على الإطلاق.. فمعارض السيراميك أبهى من مطبات وحفر أرض المعارض والتي لا أعلم لماذا يصر المسئولون على إبقاء اسمها على هذا النحو.
«صناعة المعارض» هي الاسم الأرقى لموقع إقامة أهم المعارض بمصر، تلك المساحة التي تساوى عدة مليارات من الدولارات تخسر سنويا بالملايين، والعيب بالطبع في الإدارة.. زيارة واحدة إلى أهم معرض للكتاب العربى تكتشف أننا - للأسف الشديد- نتراجع إلى ما هو أبعد من دول ناشئة أول أمس.. الفوضى تزاحم الرواد.. القمامة تحاصر المكان.. كل ما يحيط بك لا يرتبط من قريب أو بعيد بما يمكن أن يدعيه البعض من أن هذا معرض للكتاب.
تشارك دور النشر بجزء كبير في هذه الفوضى عن طريق إلقاء الكتب، وكأنها جثث هامدة رغم ما فيها من نبض يحرك السكون، ودفء يداعب العقول، وحس يوقظ النفوس.. كل شيء يذكرك بالموت الفوضوى.. بحوادث الطرق.. باحتلال أرصفة الشوارع.. بأصوات أبطال أفلام السبكى القادمين من مناطق لا تعيش إلا في ذاكرة مشاركيه ومشاهدى أفلامه.. لافتات تذكرك بـ «مشهد» الموتى في المقابر..أهلا بك في مدفن القاهرة الدولى للكتاب.