رئيس التحرير
عصام كامل

عمر الخيام.. «الموُحد الكافر »

فيتو

من بين من تم تكفيرهم يبرز اسم غياث الدين أبو الفتح عمر بن إبراهيم الخيام، الحكيم والشاعر والفلكي وعالم الرياضيات المولود في مدينة نيسابور عاصمة خراسان، في منتصف ربيع عام 1048 ميلادية حسب تقديرات المؤرخين.


كان أبوه صانع خيام فاشتقّ اسمه من حرفته وأصبح يعرف بعمر الخيام، وكان أثناء نشأته يدرس مع صديقين له، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الاثنين الآخرين، وهذا ما كان، فلما أصبح صديقه نظام الملك "وزيرًا للسلطان «ألب أرسلان»، ثم لحفيده «ملكشاه»، خصص له راتبًا سنويًا «مائتين وألف مثقال» يتقاضاها من بيت المال كل عام، من خزينة نيسابور فضمن له العيش في رفاهية، ما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة.

رحل الخيام إلى سمرقند لدراسة الرياضيات وبرع فيها فهو أول من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط، وطلب منه السلطان ملكشاه سنة 467 هجرية/1074 ميلاديا وهي ما ساعدته في تعديل التقويم الفارسي القديم، ويقول سارطون إن تقويم الخيام كان أدق من التقويم الجريجوري، وهو التقويم الفارسي المستمر حتى اليوم بإيران، وكان أيضا عالمًا بالفلك حتى كان مدير مرصد بغداد وله العديد من المؤلفات ومنها «شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أقليدس» و«الاحتيال لمعرفة مقدارى الذهب والفضة في جسم مركب منهما، وفيه طريقة قياس الكثافة النوعية» و« رسالة في الموسيقى».

الرباعيات
تعد الرباعيات التي ارتبط بها مثار جدل كبير؛ حيث اختلف الكثير حول نسب الرباعيات إليه فهي مقطوعات شعرية نظمها الخيام بالفارسية وترجع شهرتها منذ القرن التاسع عشر إليها، فالعرب لم يعرفوا عنها شيئا إلا بعد أن ترجمت على يد الأديب الإنجليزى «إدوارد فيتز جيرالد» سنة 1854 وقام بترجمتها إلى العربية الشاعر اللبناني وديع البستانى عام 1912، قبل أن يقوم بترجمتها من الفارسية إلى العربية الشاعر أحمد رامي عام1923 لم يفكّر أحد ممن عاصره في جمع الرباعيات فأول ما ظهرت سنة 865 هجريا، بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف القرن.

دافع الدكتور بكري شيخ أمين عضو اتحاد الكتاب العرب وعضو اللجنة العالمية للغة العربية عن عمر الخيام وأشعاره وما أثير عما أتى بها من سكر ومجون وتصبح هي رمزًا لنوادى التعرى واللهو في الغرب؛ حيث يطلق على تلك الأندية اسم «عمر الخيام مشددا على أن كثيرا منها ليس من نظمه».

«كان أول من عرف الخيام من الغرب «توماس هايد» أستاذ العربية والعبرية في جامعة أوكسفورد، وتبعه المستشرق النمساوي هامر برغستل سنة 1818 م، ثم جرسن دو تاسى وفي القرن التاسع عشر ترجم السير« كور أوسلي» رباعيتين، و«إدوارد هارن» بعض رباعيات، والفرنسي نيقولا السفير في طهران ترجم رباعياته وقال: صوفية تتصل بالعشق الإلهي والخمرة المقدسة، وشبهه بحافظ الشيرازي.

يتساءل الدكتور بكر: أي سحر تحمله تلك الأشعار حتى راح يتغنى بها آلاف الناس فـى شتى بقاع الأرض؟
في الحق أن من يقرأ أشعار الإنجليزي فيتز جيرالد الرائعة والمسبوكة لغة كأنها السحر، ينجذب على مضمونها، ويسحر بأسلوبها وجمالها كل من يقرأها.

أشعار فيتز جيرالد التي أفسدت العالم وليس أشعار عمر الخيام وأعجب من هذا كله أن هذه الأشعار ترجمت من الإنجليزية إلى معظم لغات العالم، وما رباعيات الخيام العربية المغناة بالعربية، والتركية، والأوردية، والفرنسية، والروسية، وسائر اللغات الأخرى إلا ترجمة لرباعيات فيتز جيرالد، وليس لعمر الخيام الحقيقي يد فيها، وهو بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

هذا التناقض العجيب بين الرباعيات التي قال فيتز جيرالد إنها منسوبة لعمر الخيام ودراسة موضوعية رصينة لشخصية عمر الخيام تظهر لنا أن في الأمر سرًا.
ونتساءل: أصحيح أن عمر الخيام كان رجلًا متهتكًا، سكيرًا، عربيدًا.. أمضى حياته كما يصورون ويزعمون ؟ أصحيح أنه نظم كل هذا الفيض من الرباعيات الصارخة بالـمجون والمعصية والفجور ؟

يكشف العلماء والباحثون السر، ويربطون بين حركة الاستعمار التـى قويت واشتدت في القرن الثامن عشر، وزعموا أنـهم وجدوا مخطوطة في جامعة أوكسفورد فيها رباعيات منسوبة إلى رجل يدعى «الخيام»، كلها زندقة، ودعوة إلى السكر والعربدة، وسـرعان ما ترجمها إلى الإنجليزية اليهودي «توماس ماير »، ثم تلقفها « فون هامر النمساوي» ونقلها إلى الألمانية. حتى إذا حلت ســنة 1859 الميلاديـة وجدنا «فيتز جيرالد »، وهو أديب إنجليزي مشهور، وشاعر مبدع، فاختار من الرباعيات ما شاء له الهوى، ونقلها- بالمعنى- شـعرًا إلى الإنجليزية -وكانت- كما يقولون أشعارًا رائعة، وفي غاية الجمال، فأعجب بها الناس، وانتقـلت من الإنجليزية إلى معظم لغات العالم، حتى إلى الفارسية والعربية، وولد من خلالها شاعر جديد، اسمه: عمر الخيام لا يمت بصلة إلى عمر الخيـام الفارسي الأصيل المسلم بصلة إلا بصلة الاسم.

شخصية جدلية
يقول الدكتور عبد المقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلامي: إن عمر الخيام من الشخصيات التي أثارت جدلا كبيرا في التاريخ وفى عصره ولكني أرى أن شخصيته بلغت من النبوغ والقمة في الفكر الإنساني ولا يملك أحد أن يكفر إنسانا ما دام « شهد أن لا اله الا الله » فالتكفير ليس هوى لفرد أو لمجتمع ولا هو رأى فردي ولا بد أن يعبر عن جهة مجمعية فالإسلام لايعرف الاجتهاد الفردي وإنما يعرف الاجتهاد الجمعي ويجب على وسائل الإعلام أن تصل إلى نتائجه الأدبية والشعرية التي ما إن نقرأها حتى نهيم إلى الواحد الأحد فهو من شعراء الصوفية ويجب أن نعلم أن الشعراء كثيرا ما يحلقون في الخيال، وكما قال الله تعالى «وأنهم يقولون مالا يفعلون » وهو له سقطات بالفعل لا أنكرها مثل قوله في الخمر الذي اختلف البعض في نسب هذا البيت إليه.
"جاء من حاننا النداء سحيرًا *** يا خليعًا قد هام بالحانات
قم لكى نملأ الكؤوس مدامًا *** قبل أن تمتلى كؤوس الحياة
ولكن شعره يجب أن يدرس لأنه يدعو إلى الصوفية العظيمة والعميقة والإبداع الأدبي، وهناك الكثير من شعره يدعو إلى التقرب من الله فلنتقرب إلى الله بما تقرب ونبتعد عن أي فعل يغضب الله مثل:
إن لم أكن أخلصت في طاعتك
فإنى أطمع في رحمتك
وإنما يشفع لى أنني
عشت دوما لا أشرك في وحدتك
ومن رباعياته أيضا ما يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي وتقويم النفس البشرية فيقول:
صاحب من الناس كبار العقول
واترك الجهال أهل الفضول
واشرب نقيع السمِّ من عاقلِ
واسكب على الأرض دواء الجَهول
ونجد كثيرا من العلماء من أثنى عليه وقالوا إنه من الأتقياء والعلماء المشهود لهم بالصلاح.
ويمدح السهروردي ذاكرة الخيام وعلمه الكبير في كتابه «نزهة الأرواح وروضة الأفراح» فيقول إن عمر الخيام تأمل كتابا في أصفهان سبع مرات فحفظه ثم عاد إلى نيسابور فأملاه.
ووصفه أبو بكر الرازي في «مرصاد العباد» بأنَّه« أحد فضلاء عصره، وأنَّه المشهور بحكمته وكياسته»، وقال عنه البيهقى (565هـ) في «تتمة صوان الحكمة»: «إنَّه كان تلو على بن سينا في أجزاء علوم الحكمة، وتعتبر تهمة الإلحاد والزندقة من المسائل الجد لية في التاريخ الإسلامي ففي حين أن هذه التهمة أثبتها فريق كبير من الناس على الخيام إلا أن هناك فريقا كبيرا آخر يقر له بأنه مات على الإسلام وأنه من الصالحين المشهود لهم وأن أغلب الرباعيات من الأمور الموضوعة ونسبت إليه خطا».


المصادر
◌ جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات.
◌ موقع المعرفة.
◌ موقع قصة الإسلام.
الجريدة الرسمية