عواد باع أرضه في «الأهرام»
«عواد باع أرضه».. شعار تقليدي قديم يعبر عن كل من يتهاون في التاريخ، أو يتنازل عن قيمه، وجذوره، هكذا فعلت مؤسسة الأهرام عندما باعت جزءا من تاريخها.
في نهايات شارع شريف، وقبل تقاطعه مع باب اللوق، ستندهش عندما تعرف أن جراج السيارات الذي يشغل مساحة كبيرة، كان واحدا من أهم إطلالات الصحافة المصرية، وعمودها الفقرى.. كان هذا المبنى جزءا من تاريخ الأهرام الذي باعوه، نعم باعوه ليصبح جراج سيارات، بعد أن كانت تصاغ فيه حكايات التاريخ.
مع بداية الألفية الجديدة، أفزعنى مشهد بلدوزرات عملاقة تهدم مبنى جريدة الأهرام، والتي كانت جدرانها لا تزال تحمل رسما ضخما لـ«لوجو الأهرام القديم»، قبل أن يتم تغييره بشكله الحالى، عدت إلى مكتبي في ذلك اليوم، وكتبت مخاطبا إبراهيم نافع، ومطالبا بتحويل هذا المبني إلى متحف تحت عنوان «متحف الأهرام»، وكانت دهشتي عندما علمت أن هناك رغبة ملحة للخلاص من المبنى العتيق.
بعد أيام قليلة، كانت معاول الهدم أقوى من سنوات البناء، سقطت الجدران ومعها مساحات من التاريخ التليد والذكريات، وقيم مصرية تم صياغتها وحياكتها داخل مبنى اختار القائمون عليه الخلاص منه، تخلصت الأهرام من جزء من تاريخها دون مقاومة تذكر لا من العاملين بها ولا القائمين عليها، ولا الذين يهمهم أن تتحول الجدران الصامتة إلى سطور تاريخية مهمة.
أقول ذلك بمناسبة احتفال مصر بمرور مائة وأربعين سنة على صدور الأهرام، ذلك الاحتفال الذي تحول إلى احتفال بهيكل فقط، وكأن الأهرام هي هيكل فقط.. إن اختزال التاريخ الطويل للأهرام في شخص هيكل يعنى أنها ماتت منذ أن رحل عنها، وأن ما نراه اليوم ليس إلا أطلالا تسكنها أشباح، وهو ما نرفضه تماما، فالأهرام مؤسسة مصرية لا يزال فيها خير كثير.
وبعيدا عن التاريخ الذي هدموه، وبعيدا عن البكاء على «المبنى المهدوم»؛ فإن النظرة الإيجابية تفرض علينا أن نطالب الدكتور أحمد السيد النجار بإقامة متحف للأهرام، خاصة وأن لدينا من تاريخه السياسي والفكرى والطباعي ما يجعله واحدا من أهم المتاحف المصرية.