رئيس التحرير
عصام كامل

اقتلوا هشام جنينة!!


قذائف مدفعية، صواريخ أرض جو، مضادات للدبابات "اسكود وباتريوت"، وكل صنوف أدوات الحرب، هجمات جوية، وأخرى برية، وثالثة بحرية، الكل يدك الحصون، حتى أصحاب السهام في الحروب القديمة وعشاق "النبلة" أيام الحارة وشقاوة "الصبيان".. كل من كان ولا يزال يمر، فإن عليه أن يشارك في هذه الحرب المقدسة.


تلك المعركة التي لا تزال تدور رحاها، ويتسرب منها صهيل خيول، ونهيق حمير، ودكات بغال، لم تكن معركة مصرية ضد الحرب الضروس التي تأكل الأخضر واليابس، قادمة من عواصم عربية وأخرى غير عربية، تتوجه صوب المذاهب وإشعال فتيل الفتنة التي لن يسلم منها أحد.. لم تكن تلك المدافع تطلق بارودها لمواجهة رأس الفتنة، ولم تكن من أجل حماية المنطقة مما يراد لها، وإنما كانت ولا تزال تستخدم نفس الأسلوب القديم في مواجهة من نتصور أنهم خصوم.. كانت الحرب ضد هشام جنينة.

والعبد لله لا تربطه علاقة صداقة بالمستشار هشام جنينة، إلا علاقة صحفي بمصدر، وما أكتبه ليس دفاعا عنه، وإن كان الدفاع عمن نتصور أنهم في خانة "اليك" أمرا مقبولا، فالمستشار هشام جنينة ليس من المصادر التي يمكن اتهام الصحفي بأنه صاحب مصلحة في الدفاع عنه.. القضية ليست قضية هشام جنينة، ولا تصريحاته صحيحةً كانت أو غير دقيقة.. ولا القضية قضية الفساد الذي كان أيام زكريا عزمي للركب، بينما وصل الآن إلى الحنجرة.

القضية يا سادة هي قضية السلطان الذي لا يريد أن يكون سلطانا، قضية الرئيس عبد الفتاح السيسي، الرئيس المنتخب، الذي يحاول البعض "سلطنته" دون رغبة منه، يحاول البعض تأليهه وهو الرافض لذلك، يحاول البعض "دكترته" - من الديكتاتورية - وهو غير قانع بذلك، يحاول البعض دفعه دفعا؛ لأن يكون حاكما فردا، وهو يعلم تمام العلم أن العصر غير العصر، والزمان غير الزمان، والناس غير الناس، والعالم غير العالم.

القضية أن الرئيس السيسي، عندما أصدر قرارا بتشكيل لجنة تقصي حقائق؛ لدراسة ما أدلى به المستشار هشام جنينة حول حجم الفساد في مصر، نستطيع أن نفهم منه وبحسن نية، أن الرئيس إنما أراد أن يعرف على وجه الدقة حجم الفساد في البلاد، قد يكون هذا الفهم أقرب إلى الاستسلام لفكرة حسن النوايا، وبالتالي فإن الهدف المقصود هو السير صوب الشفافية، وأيا كانت نتائج اللجنة التي بدا منذ البداية - حسب مفاهيم سوء النية - أنها لم تكن خالصة لوجه الوطن.

المهم أن للجنة رأيا مغايرا لما طرحه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وهذه أيضا ليست القضية التي أريد أن أتناولها.. القضية الأساسية هي كيف تعاطى الإعلاميون والصحفيون ورجال السياسة والاقتصاد تقرير لجنة تقصي الحقائق.. باختصار تحولت إلى "أنجر فتة"، و"هاتك يا لت وهاتك يا عجن"!!

قد يرى البعض أن أكبر سهم وُجه للمستشار هشام جنينة، هو مغايرة التقرير لما طرحه أمام وسائل الإعلام، إلا أن ما واجهه الرجل يؤكد أننا لم نبرح يوم ٢٤ يناير ٢٠١١م.. ماكينة التطبيل لا تزال تملك نفس القدرات.. آلات الطبخ والطرمخة لا تزال تمتلك من الإمكانيات، ما يجعل أوباما ديكتاتورا متفردا في التاريخ، لو تعرض لدفعة واحدة من الزمر والطبل، وزفة الراقصين على أوتار الحاكم الواحد.

إنني على يقين أن السيسي لا يمكن أن يكون هدفه إسكات صوت الحق، بل كان هدفه إعلاء قيم الحق، ولذلك شكل لجنته، وعلى يقين أيضا أنه لا يمكن أن يكون هدفه تصفية هشام جنينة.. المطبلاتية هم من تصوروا ذلك.. لم يتصوروا فقط، وإنما شرعوا في تصفية جنينة، مثلما يفعل داعش في ضحاياه.. اتهموا الرجل بأنه متزوج من فلسطينية، مع أن ذلك لا يعيبه وليس جريمة.. اتهموه بأنه حصل على أراضٍ في الحزام الأخضر.. اتهموه واتهموه واتهموه.. لم يكن هناك تهمة لم توجه للرجل.. ربما رأى البعض أن عيونه الملونة تشكيك في مصريته!!!

لم تُتح فرصة واحدة لجنينة ليقول رأيه أو يدافع عن نفسه أو يبرئ ساحته أو يوضح موقفه.. انطلقت رحى الأقلام تسفه المستشار، وتنعته بأسوأ الألفاظ.. وفي ليلة واحدة كنت تستطيع وبقلب مطمئن؛ لتحمي نفسك من شظايا المعركة، أن تقطع عن بيتك الكهرباء؛ حيث يحل الظلام بدلا من أن تصبح جزءا من ظلام الفكر وعتمة إعلام فضائي، لا يزال ينتشر بين الصدور.

غير أننا نستطيع أن نفهم حُمى الهجوم لو كانت لحظة وطنية انفعالية من مذيع أو صحفي أو رجل اقتصاد أو خبير سياسي، وإنما انطلق هذا الهجوم متعدد الجبهات؛ لأن البعض أراد أن يدفع الرئيس دفعا أو يمهد له الأرض ليُخرج الكارت الأحمر لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات؛ لأن البعض حاول أن يجتهد في قراءة بوصلة الرئاسة، فوجدها بحكم خبرة سنوات ما قبل الثورة، تتجه لتصفية جنينة.

شخصيا، لديَّ تحفظات على التعاطي الإعلامي للمستشار هشام جنينة، غير أن هذا لا يمنحني الحق في تصفيته، كما أنني لا أنكر أن قلقا بدأ يثير غباره في بعض مواقع الفساد، بعد أن أصبحت تقارير المركزي متاحة إعلاميا.. أيضا اختفت دبابير من على الساحة.. دخلت سراديبها، وقرأنا لأول مرة معلومات دقيقة عن بعض جهات، وأدركنا كيف كانت تدار الأمور أيام مبارك، وكيف لنا أن نواجه ذلك حتى لا نكرر الماضي.

شخصيًا، أرى أن حوارا بين مؤسسة الرئاسة والجهاز المركزي للمحاسبات، كان لا بد أن يجرى لوضع آليات لمواجهة الفساد، وضع دراسات لتفكيك منظومة الفساد، وضع تصورات للحيلولة دون زيادة رقعة الفساد، بدلا من تصوير الأمر على أن هناك «حالة تشفٍ» في إظهار حجم الفساد، والحديث عنه أكثر من مواجهته، غير أن كل ذلك كان يمكن أن يصبح حوارا بين مؤسسات إعلامية ورقابية؛ لمناقشة تقرير لجنة تقصي الحقائق، بدلا من حالة الردح والتناول المراهق لنتائج التقرير.

يبقى السؤال الأكثر إلحاحا: من منا لا يتعرض لابتزاز من الفساد يوميا؟.. ومن منا لم يشارك فيه؟.. ومن منا يستطيع أن يتعامل مع جهة حكومية دون أن يخضع للابتزاز؟.. ومن منا لا يرى بعينيه يوميا عار الفساد يلاحقنا؟.. في الطرق، في الإدارات، في المحليات.. من منا لا يرى كيف يُدفع بأبناء الفلاحين للاستشهاد في المعارك، ولا يسمح لهم بشرف اعتلاء منصة القضاء؟.. من منا ليس جزءا من الفساد؟!!

إنني أخشى أن يخرج علينا المستشار هشام جنينة، ويطالب كل من هاجموه بهذه القسوة، باليمين الحاسمة، فيقف كل واحد منا أمام الله ليقسم أنه لم يشارك أو يتعرض لفساد في حياته.. ساعتها ستنتقل المعركة إلى السماء، وفي السماء رزقكم وما توعدون.. وربما ساعتها أيضا نرد اليمين بيمين!!
الجريدة الرسمية