رئيس التحرير
عصام كامل

الناس الرايقة


لا تحكم على مجموعة من الناس بأنهم سعداء لمجرد أنهم يحاولون إظهار مظاهر السعادة في حياتهم مثل "الزغاريد" في الحواري والمناطق المتكدسة بالسكان عند الخطوبة والزفاف، وحتى حينما يحاول العروس والعريس أن يقوما بنقل المفروشات إلى شقة الزوجية وفرشها فتجد مظاهر غريبة الشكل متناقضة، فيقوم كلا الطرفين العروس والعريس بإيجار عربات ميكروباص؛ لنقل جميع الجيران والأقارب إلى مكان عش الزوجية.

هذا بالإضافة إلى من يصعدون فوق عربات العفش، والغريب والمتناقض أن تجد شبابا وفتيات ونساء ورجالا مجرد أنهم جيران، يقومون بترتيب الملابس بكل أنواعها داخل الدواليب، ويدهسون حجرات الشقة، وهم من يعتبرون دخول الغرباء الشقة بعد الزواج والسكن عيبا، فتجدهم يقولون المثل الشعبي "صاحبي وصاحبك على القهوة"، إنما البيت "لا" منتهى التناقض.

تجد الشباب الصغير "الرايق جدًا" يقومون بالرقص والغناء بأغاني هابطة وأفعال هابطة، لا لشيء إلا لإظهار أن العريس والعروسة لهم عزوة، أي لإظهار مقدار سلطة العريس، أو كما يطلقون عليها "كارت إرهاب" لجيرانه، كأنه دخل عش الزوجية ليتصارع لا ليعيش بسلام، وكأننا نعيش في غابة يأكل فيها القوي الضعيف.

هؤلاء هم أتعس الناس، ولكنهم اعتادوا على تعاسة وفقر ثقافي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وهؤلاء "الرايقين" يمثلون غالبية الشعب المصري "الحزين أبو دم خفيف".

فلا تجد فرقا بين الناس والناس، فالعنصر الإنساني واحد ومشاعره واحدة، ولكن ردود أفعالنا تجاه الأشياء تختلف باختلاف البيئة المحيطة بنا، التي اعتدنا عليها من ثقافة بيئية أصبحت مع الوقت كنسيج جلودنا.

أما الفرق بين الإنسان الرايق والإنسان الراقي، هو فقط موضع حرف "الياء"، فليس هناك منطقة راقية ومنطقة عشوائية، ولكن هناك مجتمعا راقيا ومجتمعا عشوائيا، فالرقي ثقافة بيئية، وممارسة هذه الثقافة في أي مجتمع هي ما تشكل حال هذا المجتمع، فإما أن يكون "راقيا" أو "رائقا".

فالعشوائيون الرائقون اعتادوا على الزحام وتلاصقهم ببعضهم البعض، وتدخلهم في شئون بعضهم البعض، ثم يكون نتيجة هذا التزاحم صراعات وعصبيات ودماء تسيل، وكل مبيقات الأرض تُرتكب، وينتج عنها البلطجة وسائقو التكاتك والمقاهي.

وعندما تريد الحكومات معالجة الزحام ببناء مجتمعات عمرانية واسعة الشوارع، بها مسطحات خضراء، تجد العشوائيون يضيقون الشوارع الواسعة بأنفسهم، بالسماح بأن تتحول الأدوار الأرضية إلى محال تحتل ببضائعها الأرصفة، ونصف الطريق يحتله الباعة الجائلون، والحدائق يشوهونها، ثم يتحول "الرُقي" إلى "روقان" الذي اعتادته الناس الرايقة.

فلكي نخلق مجتمعا متحضرا لا بد أن يكون هناك قانون صارم ديكتاتوري يحمي الناس الرايقة العشوائية من روقانهم المدمر، حتى لو تم حبس معظم السكان، فالباقي سيلتزم، وسيكون هناك جيل راقٍ من صلب الجيل الرايق، وهذا فقط سبيلنا في مكافحة العشوائيات والناس العشوائية الرايقة.

والغريب عندما تضطرك الظروف لأن تعيش وسط هذا الروقان وتنتقده؛ وذلك فقط لأن تسقط مشاكل العشوائيين بأن سبب مشاكلهم هو روقانهم الزايد هذا، فتتفاجأ بالسؤال الغريب، مستنكرين عليك أنك تحاول أن تكون راقيا في أسلوب حياتك، وهو "أنت أصلا جاي منين"، أي من أين مسقط رأسك؟

ثم إجابة أخطر من السؤال فيقولون "إن لم يعجبك شكل أسلوبنا، فلتذهب لتعيش وسط الناس الراقية".

والغريب أنهم يفتخرون بعشوائيتهم، وهذا ما أفرزته السينما في عشرينيات القرن الماضي، عندما كانوا يصورون الفقراء بأنهم أسعد حالًا من الأغنياء، في جملة غريبة لا أعرف معناها إلى الآن "يحيا الفقر والجدعنة".

والسؤال هنا أن أغلبية الشعب المصري الآن هم من الرايقين جدًا، حتى لو سكنوا القصور والمناطق الغنية، فهل يمكن بهذا الروقان أن تصبح مصر ماليزيا أو تركيا أو كمثل أي دولة متحضرة؟.. هذا مجرد سؤال!
 
ولك الله يا مصر.
الجريدة الرسمية