رئيس التحرير
عصام كامل

تحية للناجين من طوفان فساد 2015


أبدع مصريون من مختلف القطاعات والطبقات والدواوين والأجهزة والسلطات خلال العام 2015 في ارتكاب أفعال وجرائم فساد لم تشهد مصر مظاهر لها أسوأ مما عاشته وتدنى بها إلى المرتبة 94 بتصنيف مؤشر الشفافية الدولية للبلدان الأكثر فسادا، حتى اعتبر كثيرون أن نهاية أسباب يناير ويونيو انتهت بالفعل.


وأبى العام 2015 أن يرحل دون أن يكشف عورات مجتمعنا، فهذا تسريب لصحفى وإعلامي عن علاقات غير سوية تسود وسط عمله، ننتظر رد النقابة بشأنه، صحفيين وإعلاميين لطخوا يدى سلطة الرقابة الشعبية في قضايا ابتزاز متكررة، شخصية برلمانية معروفة بمحاربة للفساد في السجن، ضبط قاضٍ برشوة فاضحة وقُبِضَ على ضابطين شهيرين بجهاز رقابي كبير ووكيل بجهاز محاسبي أكبر، رجال أعمال ومستثمرون يتهربون من سداد 350 مليار جنيه ضرائب مستحقة على مؤسساتهم.

موظفو المحليات وصلوا بقيمة العقارات المخالفة إلى 350 مليار جنيه حسب تقديرات خبراء الإدارة المحلية، بينما امتنع المحافظون المتعاقبون عن تنفيذ القرار رقم 116 الصادر في سبتمبر 2011 من المجلس العسكري في إطار مرسوم بقانون واجب النفاذ، بتعيين أعضاء مؤقتين للمجالس الشعبية المحلية بصلاحيات المجالس المنتخبة، لتتراجع معدلات التنمية المحلية في غياب مجالس تأخرت انتخاباتها كثيرا، وتتجاوز المخالفات البنائية عدد 1.2 مليون عقار وتفقد مصر قرابة 70 ألف فدان من أجود أراضيها الزراعية، بخلاف انهيار مشروعها القومى الزراعى بفضل حيتان الطريق الصحراوى الذين تربحوا مئات المليارات من المنتجعات والفيلات وملاعب الجولف والملاهى.

فساد مصريين في 2015 كان له مذاق خاص مع حبس وزير الزراعة واتهام وزراء سابقين في تقارير الأموال العامة بالاختلاس، وتعيين وزراء حولهم شبهات في مناصبهم وخلع محافظين أكفاء من مكاتبهم، كما شملت أخطر مظاهره العنصرية الشديدة لقرارات مؤسسة العدالة التي رفضت تعيين 138 من أبناء الفلاحين والعمال بالنيابة، وحضور برلمان بعد صراع إنفاق على شراء أصوات الناخبين بطريقة لم تشهدها مصر من قبل، وظهور ألوان وأشكال جديدة من رجال الأعمال التي لم تألف البلاد نشاطهم، وعودة نماذج "ريانية" في صورة "المستريحين" أبطال توظيف الأموال في مضاربات الفوركس وسط تجاهل القوانين المصرية حماية ضحاياهم، والإفراط الشديد في حضور رءوس أموال غير معلومة المصدر إلى مصر.

نفس العام شهد وصول عدد الاحتجاجات العمالية إلى 1115 احتجاجا خلال 9 أشهر حسب مرصد "المحروسة"، ضد جرائم تخريب شركات ومصانع، وسط تراجع لقيمة الجنيه وزيادة طبيعية لمؤشرات التضخم، مقابل تجاهل النظام ابتعاد لجنة "محلب" لمكافحة الفساد عن إعلان أي تقارير دورية تخص نشاطها منذ انطلقت في ديسمبر الماضى بتعاون صوري لأجهزة رقابية، وتحايل على ما صدقت الحكومة على مكافحته من فساد باتفاقية دولية عام 2005 يعتبرها دستور 2014 جزءا من التشريع الداخلى، دون أن نستخدمها في استرجاع أموال مهربة بالخارج.

وخطورة الامتناع عن محاربة فساد شمل أوجه الحياة كافة تكمن في تحوله إلى ثقافة عامة، لا تجابهها ثقافة مضادة تعزز قيم المساءلة والشفافية والمحاسبية، والإبقاء على تشريعات ونظام إدارة يخدم استقرار ملايين الموظفين الذين سبقت سيرتهم قبل 25 يناير 2011 تقارير حكومية بارتكاب 70 ألف قضية فساد سنويا بينهم، وثقل إجراءات النظام الجامع بين التشريع والرقابة والتنفيذ في مواجهة الفساد ورموزه وأربابهم، لتظهر مقولة "إن من لم يفسد لم يصبه الدور أو يسعفه الحظ" لأول مرة، في محاولة من مروجيها لضرب من تبقوا من شرفاء وما يحملونه من قيم.

أعتقد أن النظام مطالب بتقديم رسالة شكر ورفع القبعة لكل من لم يغرقوهم طوفان الفساد في 2015، والاستعانة بكل من أسهم في مواجهة فاسدين، بدلا من حملة المباخر وعرائس مولد المرحلة الانتقالية المتردية والتأسيسية المترهلة، بدلا من تكرار رسائل لن تغير واقعا، عن إرادة لمكافحة الفساد، لم تشهدها أيام 2015 بالتأكيد.
الجريدة الرسمية