رئيس التحرير
عصام كامل

بعيدًا عن الأنظار


كثير من المصريين من كثرة الظلام الذي يحيطون أنفسهم به، ماعادوا يُبصرون النور ويمجدون كل ما هو أجنبي محقرين من شأن كل ما هو مصري، وهذا كان موضوع برنامجي "صُناع الحياة" على قناة "أيه وان" الفضائية، محاولًا في برنامجي إلقاء الضوء على نماذج كثيرة مشرفة من المصريين، وكذلك مشاريع قومية وخاصة تصدر ليس للمصريين فقط بل للعالم كله الحياة، ولكني فوجئت وأنا أعد الحلقات بأن هناك ما يفوق ما كنت أتخيل، وكثرت مواضيع الحلقات لدرجة أنني أحتاج إلى إنتاج ضخم ليظهرها، وكنت معتقدًا أنه يمكنني إظهار ما كنت أتخيله عظيمًا بالقدرات المتاحة، فما بالك بما هو أعظم من مشاريع وأشخاص لهم قدرات خاصة رغم المعوقات الطبيعية والصعوبات غير الطبيعية التي تواجههم، وبرغم هذا فإنتاجهم لا يراه الناس.


وهذا لأنني شاهدت بعض حلقات من برنامج "بعيدًا عن الأنظار" للدكتور عبد الباسط عزب، الرجل الكفيف وبرنامجه يُسقط الضوء على المكفوفين الذي يتحدون الإعاقة، وينتجون ما لم يستطع كثير من المبصرين إنتاجه.

فتخيل معي رجلا كفيفا يزرع أرضه بنفسه في كل مراحل الزراعة من حرث وتزحيف وبذر وشتل ومراعاة محصوله إلى يوم الحصاد، وبلا مساعدة من أحد، ويقول هذا الرجل إنه يرى الآفات ويستشعرها، ويستشعر الحالة الصحية للنبات ويقوم بالفور بعلاجها. 

وآخر يعمل عجلاتي يقوم بإصلاح العجل وهو كفيف، وكثير جدًا من النماذج المشرفة من المكفوفين تجدهم يدرسون في معظم الكليات النظرية والعملية، فوجدت أن هناك طبيبا بيطريا كفيفا يعالج الحيوانات، ورجلا مشهودا له بالكفاءة، ولكن وزارة الزراعة ترفض تعيينه لإعاقته.

وآخرون شاهدهم يدرسون ويناقشونك في أمور حياتية كأنهم يرون الحدث ولا تشعر بأنهم مكفوفون، بل إنهم مبصرون يرون بعيون لم نعهدها نحن ويستشعرون بأحاسيس لا تُمنح لنا.. فهم لهم قدرات خاصة، ولو كانوا في بلد آخر لنُسجت القصص والروايات لعظمة هؤلاء، إنما نحن نحقر ونحقر من أنفسنا حتى استحقرنا غيرنا ونعيب عليهم ذلك.

فعندما رأيت هؤلاء تمنيت لو أملك المال حتى أظهر مصر بثوب تستحقه أمام العالم أجمع، وأحث المصريين بأهميتهم وقدراتهم ووطنهم الذي أهملوه، وتمنيت لو أملك ما أُتيح لمشاهير الإعلام من منابر مرئية يستخدمونها للهدم وليس للبناء، فلا يعنيهم غير مصلحتهم المادية فقط، فكلما شربوا من المال زادوا ظمأً.. فالعطاءون في هذا الوطن بعيدون عن الأنظار، منهمكون في عملهم، ينتجون، وأصحاب المصالح يتصدرون المشهد، ويهدمون الوطن، ولكن لن أيأس فاليأس خيانة للوطن..

فلك الله يا مصر حماك الله روعاك.
الجريدة الرسمية