رئيس التحرير
عصام كامل

في حلب مصر


على الرغم من أن جماعة في حب مصر، تضم بين أعضائها رجالا لهم تاريخ، غير أنها مثل كل جماعة تضم أيضا من ليس لهم تاريخ، بل من لهم تاريخ عكسي في مسألة الحب الوطني، وهم ما ينطبق عليهم شعار "في حلب مصر"، والفرق كبير بين من "أحبوها ومن حلبوها".. من أحبوها هم من قدموا لها من جهودهم وإخلاصهم الكثير، ومن حلبوها فقد كانت جهودهم مشروطة بدسم الحليب ومنتجاته.


وكل من انضم لها وقع في جريمة عامدا كان أو غافلا، فأما الذين سقطوا في مستنقع النصب على المصريين عن جهل، فإن هناك من يعذرون الجهل، وهناك من لا يعذرون، وأولى جرائم جماعة "في حلب مصر" أنهم اختاروا اسما لجماعتهم يوحي بأنهم المتفردون في حبها، ومن دونهم على النقيض، والمعنى واضح وهو المقصود عمدا؛ لخداع الجماهير التي انخدعت فعلا، فمن لم ينتخب قائمة "في حب مصر"، فإنه بلا شك اختار قائمة من قوائم من لا يحبون مصر.

هذا الخلط استخدمته الآلة الإعلامية الصهيونية بنجاح كبير، وذلك بالتركيز على الدلائل الذهنية للألفاظ، لذلك تجدهم ومن خلفهم تدور - أحيانا - رحى وسائل إعلام عربية يطلقون على جيشهم "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وفطنت الميديا العربية لذلك، فأطلقت عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي، والفارق بين الدفاع والاحتلال هو ذاته الفارق بين الحب والحلب، وثاني جرائم الجماعة المذكورة أنها أطلقت على قائمتها لقبا أكثر جرما من اسمها.

قالت الجماعة في دعايتها، وكتبت تحت لافتاتها "القائمة الوطنية"، وهذا يعني أن القوائم الأخرى لا بد أن تنعت بغير ما نعتت به قائمة "الحب والحلب"؛ بحيث تصير القوائم الأخرى أقل وطنية، أو أنها ليست وطنية بالمرة؛ إذ لو كانت وطنية لانضمت تحت لواء القائمة الوطنية، وثالث جرائم الجماعة المذكورة أنها بصدد تشكيل جبهة، فاصطنعت لها اسما أغرب من الخيال، ولكنه يندرج تحت نفس الفصيل المخزي للنصب بدلائل الألفاظ.

قالت جماعتهم: إنها بصدد تشكيل جبهة دعم الدولة المصرية، وهذا يعني أن من لم ينضم تحت لواء هذه الجبهة، فإنه قد يكون ضمن جبهة دعم الدولة الصهيونية، أو على أقل تقدير دعم الدولة، أي دولة غير الدولة المصرية، وبالتالي فإن الأسماء والشعارات التي استخدمها المتورطون في وقائع "حلب" أكثر من أن تحصى، رابع جرائم هذه الجماعة المذكورة أنهم إنما أساءوا إلى زملائهم المحبين في نفس القائمة؛ لأنهم ورطوهم فيما هم لا يمكن أن يقبلوه على شركاء لهم في الوطن.

وهذا الاستخدام الخادع للألفاظ هو جريمة نصب سياسي، ارتكبها فصيل سياسي يشكل الآن جبهة الأغلبية التي تقود التشريع في البلاد، ونظن أن المقدمات المضللة ستؤدي في النهاية إلى نتائج مضللة، وهو الأمر الذي ينتظره أعداؤها من الداخل، ويستفيد منه أعداء الخارج، وأعتقد أيضا أن هذا ما تأباه النفوس الزكية من داخل القائمة، وهم كُثر.. أما الرافضون من خارجها، فإن مواقفهم معلنة منها، ومن طريقة إعادة البلاد لإنتاج ما لفظه الشعب، وما سوف يلفظه عاجلا وليس آجلا.

على أن الذين حلبوها ماضيا ويحلبونها حاضرا، وسوف يحلبونها مستقبلا، لا يعملون إلا وفق مصالحهم التي تتعارض مع مصالح الجماهير، ومصالح الرئيس الذي جاء بشعبية جارفة غير مدفوعة الأجر، كما فعل السادة الحالبون، وجاءت بحب وطني خالص لا غش فيه، ولا خداع، ولا تضليل.

أما إذا نجحت خطة الخداع اللفظي، فإننا سنجد أنفسنا أمام برلمان منحل سلفا.. منحل في القيمة، وفي الواقع، منحل في الأداء والتطبيق، منحل بالفعل الذاتي للمنطق؛ حيث إن اللافتة التي ترفعها الجماعة المذكورة، لا تقل خطورة عن حالة الاستفراد التي لفظها الشعب المصري في الثلاثين من يونيو، وما سوف يلفظها في الثلاثين من أي شهر قادم؛ لتصحيح المسار، فالناس يعرفون جيدا من زوّر ومن اشترى، من ضلل ومن نصب، من كذب ومن ادعى، فالذين صححوا مسار الإخوان، وانقلبوا عليهم هم من انتخبوهم تحت وطأة الاستخدام المضلل للدين والشعارات، لا فرق بين الإخوان والسادة الحالبين.. الإخوان دفعوا «زيتا وسكر» وجملة من الشعارات البراقة القادمة من وحي السماء، والآخرون دفعوا نقدا وجملة من الشعارات الموحية بغير الحقيقة.
الجريدة الرسمية