رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة ليست رقيقة للرئيس!!


"عفوا لن نسمح لك بالفشل".. هذا العنوان كتبته للرئيس بعد مرور شهور قليلة من توليه المسئولية، وها أنا أبعث له الآن برسالة ليست رقيقة؛ حيث لم تعد القضية قضية السيسي أو مرسي.. ليست قضية عسكر ومدنيين.. ليست قضية جيش وشرطة.. ليست قضية فئة دون الأخرى.. إنها قضية وطن يحاصر بفعل الظرف التاريخي والموقع الجغرافي والنوايا الاستعمارية الجديدة، وكل صنوف التغير والفوضى وسقوط الأقنعة وإعادة تشكيل الكرة الأرضية وفق مفاهيم الإمبراطوريات الجديدة.


القضية الآن قضية حياة أو موت.. نكون أو لا نكون.. قضية تاريخ وحضارة ونور أضاء جنبات العالم في فترات تاريخية حالكة، وها هو الآن مهدد في وجوده.. في جذوره.. في بقائه، وقضايا الوجود تفرض على الجميع أن يدفع الثمن دون البحث عن بضاعة في المقابل، دون انتظار خطاب شكر أو جواب تقدير أو مظاهرة مؤيدة.

الظرف الحالي يفرض على الرئيس أن ينظر حوله.. أن يقيم المواقف.. أن يرى الصورة بوضوح.. أن يستحث القوى الكامنة في المجتمع.. المجتمع المصري بمشاكله وهمومه ومكوناته بعيدا عن المجتمع الافتراضي الذي قد يحاصر البعض أنفسهم فيه.. مصر أوسع بكثير من المعسكر.. إنها الميدان الحضاري المقدس.. مصر أكبر بكثير من الكتيبة.. إنها كتائب الحق والديانات السماوية الثلاثة.. مصر أطول من الطابور.. إنها مضمار السباق التاريخي نحو فجر البشرية.. مصر وطن كبير بحجم الإنسانية كلها، لا يمكن لفئة أن تحتكره أو تديره منفردة أو تسيطر عليه وحدها أو تتحمل مسئولياته دون الآخرين.

الوضع الراهن يفرض عليك سيادة الرئيس أن يكون لديك فريق عمل واضح الملامح.. أن تتخلص من كل ترهات الماضي وتبعات "العيش والملح" ومسالب الصداقات التاريخية القديمة.. الوضع الحالي يفرض عليك أن تتخلص من الوجوه القديمة والطرق القديمة.. أن تنهي أسطورة الدولة العميقة.. أن تعرف أن سكوتك على بعض الممارسات تدفع ثمنها وحدك من حب الناس ومن شعبيتك.. لا تترك الأيدي النجسة تعبث في إناء الطهر.. ولا بد أن تؤمن بأنك ابن ثورتين وليست ثورة واحدة.

حصار العالم لنا إنما جاء بأيدينا وليس بفعل الغير.. المؤامرة التي يراها البعض تحاك لنا إنما حُكناها بأنفسنا وبحكام منطقتنا المنكوبة.. ولتعلم سيادة الرئيس أن مبررات الفتنة قائمة وموجودة، والحصار ليس من لندن أو موسكو.. الحصار من هنا.. من محيطك.. تخلص من هذه الدائرة التي أحاطت بك ومنعتك من التواصل مع الناس.. أدوات الفتنة ستدخل من هذه الزاوية ومن هذا الثقب.

سيادة الرئيس.. هل تذكر يوم أن تقدمت وتراجع الآخرون؟.. هل تذكر يوم حملت روحك على كتفك في مواجهة مؤامرة حيكت بليل عبر جماعة عميلة مأجورة، مخبولة، ((مندوهة)) بالسلطة حتى لو كان ثمنها وطنا؟.. هل تذكر يوم إطلالتك على الشعب باعثا في نفوس الحيارى الأمل؟.. نحن نذكر لك ذلك.. نتذكر تلك الأيام العصيبة التي طالبناك فيها بالتحرك من أجل أولادنا.. وطننا.. مستقبلنا.

ولأننا نتذكر ذلك، فإن سماحنا بفشل التجربة هو الكارثة الكبرى على هذا الوطن.. ستنجح؛ لأننا لن نسمح بغير ذلك.. مؤكد أنك ستنجح؛ لأن تصور ما هو غير ذلك كارثي بالفعل.. الذئاب الجائعة ليست خارج الحديقة، إنما ربيناها هنا بيننا منذ سنوات طويلة.. كلاب الماضي تحاصرك وقطط النوايا الحسنة تحيط بك؛ ظنا منها أنها الحماية ووهم لك بأنها تملك كل شيء وقادرة على كل شيء.

يطل الماضي بوجهه القبيح رغم أنه كان به بعض رجال مخلصين اختفوا.. يعود الماضي في حافظة اللصوص وحقائب التجار.. يعود الماضي مع السفاحين والقتلة والمجرمين.. يعود بقوة.. يعود في فساد لا يزال ينعم بأدواته.. يعود في تعذيب وامتهان لا تزال غرف الحجز تنضح بما هو أبعد منه.. يعود في دولة الغطرسة والهيمنة بأقسام الشرطة.. يعود في وجوه المتسولين والمحتاجين والمعوذين في طرقات مصر وشوارعها.

سيادة الرئيس.. لا تزال حوارينا حبلى بأمل كنت صاحبه.. لم نر حتى الآن جنينا صحوا ناضرا يوقظ فينا الغد.. نثرنا بذوره معا ولم نجن حصادا.. ننظر حولك سيادة الرئيس ونتساءل من هو مستشارك السياسي؟.. ومن هو صوت مصر في حال غيابك أو سفرك؟.. ومن هو مستشارك الاقتصادي؟.. من هم المدنيون من حولك؟.. من هم شركاؤك في الحكم؟!!

سيادة الرئيس.. العالم يتغير فلا تحمل نفسك فوق طاقتها.. الخارج يتغير والداخل أيضا يتغير.. حكم الفرد انتهى بلا رجعة حتى لو كان الفرد نبيًا.. نعلم أنك لم تكن راغبا في سلطة، وندرك حجم تضحياتك من أجل بلادك، ولن ننسى نحن والأجيال القادمة أنك تقدمت عندما تراجع آخرون.. كنت شجاعا عندما جبُن آخرون.. أشهرت سيفك عندما كان كثيرون يرفعون الرايات البيضاء.. ولأننا نعلم كل هذا، فإننا معك وسنظل معك، نقومك إن اعوججت، ولا بد أن نعترف بأن الدفة اعوجَّت، فابحث عن شركاء يتحملون مسئولياتهم في هذه اللحظة الحرجة.

سيادة الرئيس.. كان عظيما ألا نتورط ونورط درعنا في اليمن.. كان عظيما ولا يزال أن نفسح الطريق أمام الحل السياسي في ليبيا، قبل أن نفكر في قنابلنا وصواريخنا.. كان عظيما ولا يزال أن نعيد الحياة إلى الحلول السياسية في سوريا دون أن نورط جيشنا فيما هو أبعد.. هذه بعض نجاحاتك نذكرها، ونعي أنك قادر على حماية جيشنا من التورط أو التوريط!!

سيادة الرئيس.. مصر ولادة وليس صحيحا من أوهمونا بأنها عقمت.. مصر بها شعب قادر على تحمل الصعاب، شريطة أن يصبح شريكا في القرار، بل شريطة أن يكون هو صاحب القرار.

إن المسئولية كبيرة ونحن نعلم ذلك.. إننا نرى بوضوح كيف أغرقتنا مياه الأمطار وهي الخير.. كيف قتلتنا وهي سر الحياة.. قتلتنا؛ لأنك ورثت دولة ثقوبها أكثر من أن تحصى، غير أنها قتلتنا أيضا؛ لأننا لا نزال نرعى الفساد ونحميه.. قتلتنا الأمطار؛ لأننا لم نفكك منظومة اللصوص والفاسدين.

الفقراء يا سيدي يموتون جوعا.. البسطاء مقهورون.. حتى الطبقة المتوسطة انهارت أمام غول الأسعار.. بعض السذج يبكون على أيام مبارك.. هل تعرف هذا المعنى؟.. هل ندرك هذا المغزى؟.. كثيرون هم من يروجون لذلك، وهذا ضدك وضدنا وضد عجلة التقدم.. من أجل ذلك أقول لك إن الحصار ليس في لندن، ولن يكون في موسكو ولا واشنطن.. نحن قادرون على كل هؤلاء.. قادرون على الإخوان وكل عملائهم.. قادرون على أي عدو تتصوره.. إننا فقط مهزومون أمام عصابة الفساد التي تحيط بتجربتك وتجربتنا.. مستسلمون أمام نمط أرادوا فرضه عليك.

العدو هنا في الداخل.. خروج السائحين الإنجليز ليس كارثة.. سيعودون.. إخراج الروس من الغردقة وشرم ليس مصيبة.. سيعودون.. السياحة لا تموت أبدا.. السياحة تمرض وتعود إليها عافيتها.. المؤامرة ليست في لندن صدقني.. المؤامرة هنا على باب قصرك؛ لأن الثقة لها طريق واحد.. اتجاه واحد.. عندما تهرب لا تعود..

«سيدي الرئيس يُهزم الحكام.. أما الشعوب فلا تهزم أبدا».
الجريدة الرسمية