رئيس التحرير
عصام كامل

فضائح ليلة القبض على صلاح دياب


كانت لندن تجهز طائراتها لإعادة مواطنيها من مصر؛ بسبب أخطار يتوهمها صانع القرار هناك في موسكو، رضخ لها فلاديمير بوتين وأمر بتعليق السفر إلى مصر..

في الداخل كانت الإسكندرية تغرق، يموت أبناؤها بحصار الماء والقهر والبرد، في البحيرة غرق البشر والشجر والبقر، الكهرباء التي انقطعت طوال العام جاءت في هذا اليوم لتصعق الأطفال.. المشهد في مجمله حزين كئيب ممل.

على الطرف الآخر، كانت قوات الشرطة المصرية قد أعدت العدة للقبض على المجرم العتيد المخضرم صلاح دياب.. كانت الخطة محكمة، فالمجرم خطير، ومتهم بالاستثمار في بلاد يهرب منها الجميع، وهو صاحب واحد من أهم المشروعات الزراعية في مصر، وهو الذي قفز بالمنتج الزراعي المصري إلى آفاق العالمية.. كل الأدلة تقول إن صلاح دياب يزرع الأرض، وهو متورط حتى النخاع في حرثها.

لم تتوقف جرائم صلاح دياب عند هذا الحد، بل زاد الطين بلة أنه وآخرين خططوا بليل، وأنشأوا صحيفة خاصة بأموالهم، وأضافوا إلى المشهد الصحفي المصري واحدة من أهم وأصدق المؤسسات الصحفية في الربع قرن الأخير، وهو إلى جانب مشروعه الزراعي «بيكو»، الذي انتشرت منتجاته في أسواق أوربا، كاد يصل مع زملائه بصحيفتهم إلى مساحات أكثر تأثيرا وأعمق تحديثا.

لم تكن كل هذه الجرائم بعيدة عن عسس الأمن الساهرين من أجل حمايتنا من كل مستثمر وطني جاد.. رصدته أجهزتنا، وامتلكت العديد من المستندات والوثائق التي تؤكد أن الرجل متورط من شعر رأسه وحتى إخمص قدمه، وفي الوقت الذي كانت فيه البلاد تعاني من هزات اقتصادية مزعجة، وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس يبحث يمينا ويسارا عن خرم إبرة يستطيع منه أن يجلب عملة صعبة للبلاد، كانت أجهزة الأمن قد وضعت خطتها.

وبتوجيهات من وزير، وإشراف مدير أمن، وقرار لواء كبير، وتخطيط عميد محترف.. وبمعلومات من أمننا الوطني، وجنود من أولادنا السمر الأبرياء، وبأسلحة أمريكية وفرنسية، وأخرى مصرية صميمة، كانت الحملة القومية للقبض على صلاح دياب في قصره بمنيل شيحة.. لم يمنع الأمن أن يقوم بمهمته الوطنية انشغاله في سيناء، ولم يحول دونه والقيام بمسئولياته أنه منشغل بحماية الانتخابات.. استطاع الأمن وبقدرات فائقة وأجهزة حديثة وسيارات تحمل المئات من جنود الأمن وضباطه، تمكنوا من حصار قصره فجرا.

كانت العملية الأمنية «نظيفة» مائة في المائة، فقد تم اختيار التوقيت بعناية فائقة، ربما استطلعوا فيها رأي خبراء الطقس.. كان الليل البهيم يخيم على الموقع، تدفق أمواج النيل يضيف على المكان رهبة، أشجار شاهقة تحيط بالقصر، هنا يقف الجنود، وهنا مجموعة العمليات الخاصة، وعلى الطرف الآخر يتأهب كبار الضباط، وعلى الطرف البعيد ضباط المباحث، أما شرطة المسطحات فإنها ستحاصر القصر من النيل؛ خشية أن يهرب المجرم صلاح دياب.

في الفجر كانت القوات قد أخذت وضع الاستعداد في انتظار ساعة الصفر، حانت ساعة الصفر.. طرق.. كسر للباب.. الدخول بالقوات زحفا، وقفزا، وسيرا، وجريا، الأسلحة تحاصر المكان.. أخيرا أصبح صلاح في قبضة الدولة؛ إمعانا في قيام الأمن بواجبه، فإن الكاميرات كانت جاهزة، وتمكنت قوات التصوير من التقاط صور نادرة للرجل، والكلبشات تزين يديه، ساقوه هو وابنه داخل سيارة عفنة؛ إمعانا في المساواة بين الناس، فسيارة الترحيلات لا تعرف غنيا، ولا فقيرا، الكل في الذل سواء.. ربما يكون الضابط قد دفعه دفعا للأمام، وربما يكون آخر قد أساء إليه عندما حاول المتهم صلاح أن يفهم، وربما حدثت أشياء كثيرة غير أن اليقين أنهم قبضوا عليه فجرا.

قوات الأمن بدورها لم تفعل ما فعلت من تلقاء نفسها، فنحن في دولة قانون.. دولة مؤسسات.. دولة قامت فيها ثورتان من أجل كرامة الناس.. كان الإجراء الأمني متوافقا مع قرار السيد المستشار النائب العام، بضبط وإحضار صلاح دياب بهذه الطريقة؛ حماية للمجتمع، ودرءا للخطر، وخوفا على الدولة واستقرارها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

لم يكن الأمر هكذا بسيطا، يسيرا، سهلا، كما تسير السكين في قطعة جاتوه من لابوار المتهم، فأثناء عمليات القبض والدهم والكر والفر والزحف والقفز، وجدوا سلاحا ناريا بدون ترخيص في منزله، وللأمانة لم يجدوا كيسا من البانجو، ولا قطعة من الحشيش.. وللإنصاف لم يجدوا في بيت المتهم ترامادول ولا كبتاجون، ولذا فإن قوات الضبط حرزت السلاح فقط، وأضافت إلى المتهم الخطير تهمة أخرى.

والآن بعد أن تم القبض على دياب، فإن الاستثمار لا شك سيعود إلى ما كان قبل يناير وأكثر، وربما تفكر لندن في إعادة مواطنيها لشرم، والغردقة، والأقصر، ومن اليقين أن بوتين قد يهنئ قواتنا الباسلة على إنجازاتها، ويعيد الرحلات الجوية إلى مصر.. لا شك أن رجال الأعمال المصريين سيعملون بجد واجتهاد.. رجال الأعمال العرب سيحولون كل استثماراتهم إلينا.. من الآن فصاعدا انتظروا استثمارات أجنبية بالمليارات.. من الهند، ومن مدغشقر، ومن كينيا، ومن السنغال، ومن بلاد لم تكونوا تتصورون يوما أنها ستأتي زاحفة إلينا.

من الآن لا تسأل عن توقيت القبض، ولا عن طريقته، ولا عن كرامة مواطن مصري، فقط اسأل عن الفنكوش باعتباره أكبر حافز لرجال الأعمال في مصر!!

ملحوظة:
كاتب هذه السطور له عدة مقالات نقدية ضد صلاح دياب
الجريدة الرسمية