رئيس التحرير
عصام كامل

هانى الناظر رئيس «القومى للبحوث» السابق: كارثة كبيرة أن لا تتعلم لغة من يستعمرك

فيتو

>> لم ألتحق بمدارس أجنبية أو خاصة رغم أنني من أسرة ميسورة
>> انهيار التعليم في مصر بدأ في الخمسينيات

>> المعلمون بدءوا يعتمدوا على الحفظ أكثر من استيعاب الدروس
>> عمري ما أخذت أي دروس خصوصية في حياتي
>> الفشلة هم الذين يلتحقون بمدارس خاصة أو أجنبية


ولد هانى الناظر رئيس المركز القومى للبحوث الأسبق بحي منيل الروضة في 26 ديسمبر 1950، وتربي في هذا الحي الجميل الهادئ بطبعه، وكما يقول في حوار لـ "فيتو" - عن ذكرياته مع سنوات الدراسة الأولى في إطار سلسلة الحوارات التي تجريها بمناسبة بدء العام الدراسى - كان من حسن حظه أن المدارس التي التحقت بها كانت بالقرب من منزله، فمدرسة الابتدائي كانت بجوار المنزل، يسمع من شرفة غرفته طابور الصباح كل يوم فيتأهب للنزول، وإذا تأخرت في النوم كان يستيقظ على جرس الطابور الصباحي، وكانت اسمها مدرسة عاطف بركات.

*ماذا كانت طبيعة الدراسة في المرحلة الابتدائية؟
درست في المرحلة الابتدائية مواد «عربي، حساب، مواد اجتماعية، علوم»، وكنت أعشق العلوم للغاية، ولم ندرس أي لغة أجنبية على الإطلاق في المرحلة الابتدائية، وبدأنا ندرسه في الصف الأول الإعدادي، وكان السبب أن الثورة عندما قامت اعتبرت أن الاستعمار الإنجليزي «استعمارا حقيقيا»، وبالتالي لا يمكن تدريس لغته؛ لأنها كارثة كبيرة، والشخص عندما يتعلم وهو صغير السن غير تعلمه عندما يكبر.

*ماهى المواد التي كانت مفضلة لديك؟
عشقت مواد معينة في حياتي، وهي العلوم والمواد الاجتماعية، أو ما تسمى حاليًا الدراسات الاجتماعية، وكنت أفضل التاريخ، ففي الفصل الخامس الابتدائي عقدت المدرسة مسابقة كبيرة، وبالفعل فزت وحصلت على كتابين للتاريخ الفرعوني، ومن وقتها أحببت التاريخ المصري والفرعوني بشدة، كنا ندرس منذ الساعة 8 صباحًا حتى الساعة 2 ظهرًا، وكان يوما الإثنين والخميس ندرس 5 حصص فقط وبقية أيام الأسبوع 7 حصص.
*ماذا كان مجموعك في الابتدائية؟
حصلت على 91% في الشهادة الابتدائية، وكان ترتيبي العاشر على المنطقة التعليمية لجنوب القاهرة، وبعد حصولي على هذا المجموع المرتفع كانت المدارس الإعدادي تبحث عن الطلاب المتفوقين، فكنت منهم والتحقت بمدرسة أحمد ماهر الإعدادية، وكنت فخورًا جدًا أنا ووالدي لالتحاقي بهذه المدرسة؛ لكونها أفضل المدارس على مستوى الجمهورية، وكان يلتحق بها المتفوقون فقط، ودخلت فصل المتفوقين.
*هل كانت هناك مدارس خاصة في أيامكم؟
جميع المدارس التي التحقت بها كانت حكومية، لم ألتحق بأي مدارس أجنبية أو خاصة مثل وقتنا الحالي، رغم أنني كنت من أسرة ميسورة الحال، لكن كان من المعروف أن من يلتحق بمدرسة خاصة أو أجنبية هو الطالب الفاشل الذي لم يحصل على مجموع عالٍ يجعله يلتحق بمدارس الدولة، فالمتفوق هو الذي يفخر بأنه مثلا في مدرسة السعيدية أو الإبراهيمية أو الأورمان.
*ماذا كانت طقوسك في أول يوم دراسة؟
كان أول يوم مدرسة من كل عام أسعد أوقاتنا، فأحضر ملابسي من قبلها بليلة، وكان متضمنا «الحذاء الأسود الذي أقوم بتلميعه بالورنيش والفرشاة والشراب الأبيض الناصع، والمريلة التي كانت أمي تكويها لي»، ثم أذهب إلى المدرسة، ومع الطلاب نقف في طابور ولا أحد يعرف الآخر، ثم يقوم أحد الأساتذة بالنداء على اسم وراء اسم، ويتم تقسيمنا فصولا ومجموعات، وكنت أفضل دائمًا الجلوس في الصف الأول حتى عندما كبرت أفضل الجلوس في الصفوف الأولى؛ حتى أظهر وأنظر للجميع وأشاهد الجميع، وكان الزي المدرسي لنا: «مريلة لونها بيج ومطبوع عليها لوجو المدرسة الملتحقين بها».

والطابور كان لنا شيء مقدس، لا أتذكر في يوم أن المدرسة لم تقم بإحياء النشيد الوطني، وبعدها ننطق تحية العلم «تحيا جمهورية مصر العربية 3 مرات»، وتمارين «صفا وانتباه مثل التربية العسكرية»، ثم نقوم بالذهاب إلى الفصول في انتظام شديد، متزامنًا مع موسيقى جميلة وطنية مستمرة من أحد زملائنا الطلاب، حتى نستقر في فصولنا، وأتذكر أني التحقت بالمدرسة في 1956، وكنت وقتها نردد عبارة «تحيا مصر»، وكان أيضًا في 1957 أما بعدها كنا نقول تحيا جمهورية مصر العربية.
*ماالفارق بين الدراسة زمان والدراسة الآن؟
للأسف أسوأ ما نعيشه الآن هو عكس تمامًا ما كان يحدث في فترة الدراسة الزمنية لي في الستينيات هو المدرس، فكان مثل الأب، وعلاقة احترام وخوف وتقدير وحب له؛ لأنه شخص يوفي لنا ويتعب من أجل أن يعمل لنا شيئا، فكان المدرس يرتدي بذلة وكرافتة دائمًا، وأتذكر أنني كنت في الصف الثاني الثانوي، وكنت «راكب أتوبيس من ميدان الروضة، وبعدها جاءت محطة سينما الروضة، ورأيت أن ناظر المدرسة التحق بالأتوبيس وقتها على الفور اتنفضت وجلس مكاني على الفور، وكنت أشعر بالرهبة عندما رأيته».
والتعليم نفسه كان على أيامي ليس أفضل من الآن بالنسبة للدراسة والمواد، لكن مدارسنا كانت واسعة والفصول كانت لا تحتوي طلابا كثيرة، فكنا 30 طالبًا في الفصل الواحد، هذا يعتبر كثير جدًا في الستينيات؛ لأننا كنا 30 مليون مواطن في مصر، وهنا بدأ التعليم التلقيني الذي اعتمد على الحفظ، وأنا صراحة ليست لديَّ قدرة على الحفظ.

*من هم أقرب المدرسين إلى قلبك؟
كان أقرب المعلمين لي هو أستاذ التربية الرياضية، أما أكثر شخص كنا نعمل له ألف حساب هو مدرس اللغة العربية، فكان وقت حصة اللغة العربية (ترمي الإبرة ترن) من كثرة الالتزام والخوف والرهبة والاحترام له، سواء في إعدادي أو ابتدائي أو ثانوي، وكان أستاذ اللغة العربية لي في الثانوي اسمه الطبلاوي، وكان وقتها يُمثِّل بالسينما، وكان دائمًا يظهر بالسينما في دور الناظر، وكنا نرهبه للغاية.

*هل حصلت على دروس خصوصية في سنوات دراستك الأولى؟
عمري ما أخذت أي دروس خصوصية في حياتي ولا حتى مجموعات دراسية بالمدرسة، فالطالب الذي كان يلتحق بهذه المجموعات أو يذهب لأخذ دروس خصوصية، كان يحاول ألا يعرفه أحد؛ حتى لا يطلق عليه الطالب الفاشل، الذي كان لديه عقلية صغيرة غير زملائه، وكان يخجل إذا تمت معرفته، فكانت والدتي تساعدني في المذاكرة، ووالدي كان دكتورا فكان يساعدني هو أيضًا في اللغة الأجنبية.

والتحقت في الثانوية العامة بمدرسة الفسطاط، وكنت أذهب إليها أيضًا سيرا على أقدامي، وحصلت على مجموع 255 درجة بنسبة 63% تقريبا، وبعدها التحقت بكلية الزراعة، رغم أن والدي كان يتمنى أن ألتحق بكلية الطب، وكان الحد الأدنى لكلية الطب 63% بمجموع 255.5 يعني فعلا فرقت نصف درجة، ولكن شاء القدر أن ألتحق بالزراعة.
*ماذا عن مصروفك في المرحلة الابتدائية؟
كان مصروفي اليومي في ابتدائي قرش صاغ، وكنت أشتري به (باكو بسكويت وشيكولاتة صغيرة)، وعمري ما ادخرت أي مبلغ لي ولا عمري اشتريت حصالة.
*كيف ترى أحوال التعليم المصرى الآن مقارنة بالتعليم زمان؟
انهيار التعليم في مصر بدأ في الخمسينيات؛ لأن المعلمين بدأوا يعتمدوا على الحفظ أكثر من استيعاب الدروس، إلى جانب عدم احترام المعلم، فالطالب أصبح لا يحترم أستاذه والأستاذ أصبح لا يعشق عمله مثل السنوات السابقة، واستغلال الطلاب للدروس الخصوصية حتى يتعلموا، والمدارس الأجنبية أصبحت الآن هي مكان أولاد الذوات، أو بمعنى آخر لمن يريد أن يعلم أولاده.
الجريدة الرسمية