رئيس التحرير
عصام كامل

الاستحقاق الرابع


مادامت كل حكومات ما بعد 25 يناير 2011 وحتى الآن تجاهلت أن الشباب وقود الثورة، والبسطاء والمستضعفين ضحايا تآكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية جراء الخصخصة والفساد، وتحالف رأس المال غير الوطنى مع السلطة، وسارعت بإنهاء مراحل انتقالية وتأسيسية بلا دراسة أو سعى لإنجاز استحقاقات هؤلاء، فلا عجب أن يكون استحقاق سياسي كانتخاب مجلس النواب حائزا على هذا الكم من التجاهل الشعبي.


الإخوان يروجون أن مقاطعتهم الانتخابات ضربت شرعية نظام 30 يونيو في مقتل، وحجمت قدر رئيس منتخب لا تترجم حكومة تنفيذية رؤية أو برنامج له، وحرس الوطنى المنحل القديم بذيوله يريدون استباق الأحداث بتسجيل نقطة عند نظام حكم يريد التبرؤ من حكم "الشلة"، فتراجعت مشاركات قبائلهم وعائلاتهم، بينما أصحاب رءوس الأموال وأهل الفهلوة وسماسرة الانتخابات لم يحركوا ساكنا لأن الشعب بات يتفهم ألاعيبهم، والأحزاب التي تصارعت على صياغة عقود احتراف لمرشحين على قوائمها وأجنداتها أخفقت في تقدير مستقبل وجودها، وأهملت تقديم رؤى تشريعية واضحة لها.

هنا وقف الشعب المصرى للمرة الأولى لينتخب "مصلحته" وحددها في إهمال هؤلاء وأولئك، وأعاد تقدير أوزانهم رغم محاولات الضجيج الإعلامي والترويج لهم عبر برامج مدفوعة، وقرر أن تكون مصلحته في العودة مؤقتا إلى "الكنبة"، ليشكل مؤقتا حزبا ضاغطا على النظام السياسي يطالبه بإعادة حساباته وضبط صراعات أجهزة حكمه البينية التي لا تنتهى وتتزايد بتكاثر أعداد أحزاب ذات مرجعية بيروقراطية أشد بأسًا وخطورة على الدولة من الدينية المحظورة دستوريا.

لسنا أمام مجال لحديث عن شرعية محسومة لثورتين أقرهما دستور 2014 في استحقاق أول بخارطة الطريق، أو شرعية رئيس منتخب في ظروف محلية وإقليمية قاسية على شعوب المنطقة، ولكننا أمام إرادة شعب يؤمن قطاع عريض منه بضرورة مراجعة ما اتفق عليه مع قيادات ما بعد 3 يوليو 2014، والتي كررها الرئيس عدلي منصور للرئيس السيسي والحكومة عندما سلمه مقاليد الحكم وعاد إلى القضاء.

تخيلوا أن استحقاقا رابعا يلزم خارطة الطريق "المستقبل" إضافته إليها، بعد أن بدت الاستحقاقات الثلاثة "سياسية" بحتة لا تضمن إلا استقرار السلطات وبناء مؤسسات الدولة، بينما استحقاقات المصريين غائبة بشكل يعبر عن حقيقة لا يجب علينا إنكارها أو تجاهلها، وهى أننا لا نعيش في "دولة مؤسسات" رغم استجابة الشعب لضرورة بناء "مؤسسات الدولة".

ويعلم الجميع أن الاستحقاق الثالث ضُرِبَ في مقتل بهذا الموقف الشعبى لأن الطبقات الطفيلية التي التحمت بأنظمة الحكم السابقة صعدت عبر البرلمان، بينما ذيولها لا تزال تلعب في قاع المجتمعات المحلية ويتنامى فسادها الاخطبوطي، حتى إن فكرة انتخاب المجالس الشعبية المحلية وتمكين الشباب فيها ودخوله تجربة القيادة ولو عبر التعيين المؤقت، تجاهلتها كل سلطة وأنكرها كل نظام.

كان نظام مبارك متهما بأنه تحول من فاسد إلى مفسد، ولم تكلف جماعة الإخوان نفسها دهرًا لتؤكد للجميع أنها ضد فكرة الدولة تماما، لكن سياسات "الباب الموارب" التي تتبعها حكومات ما بعد 30 يونيو تجاه قضايا وأزمات متصاعدة تضر باستقرار المصريين وتضرب استحقاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية بالأخص.

حدثونا عن نجاحات أو إخفاقات لإنجاز الاستحقاق الثالث كما شئتم بعد نهاية المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب، وقدموا تفسيراتكم المتعجرفة لمواقف المصريين الذين ملوا "مشاوير الصناديق"، لكن لا تحاولوا تكرار سخريتكم منهم والتحايل على استحقاقات لم تأت بعد.
الجريدة الرسمية