السناتر والدروس «العمومية»
معظمنا حصل على دروس "خصوصية" خلال مراحل الدراسة وبشكل خاص خلال الثانوية العامة. وكان الهدف من الدرس الخاص هو الحصول على المادة العلمية بطريقة أخرى غير التي يتم تقديمها في المدرسة – قد تكون أكثر تبسيطًا – ولكن الهدف الأكبر هو الحصول على اهتمام أكبر من قبل المعلم. كان عدد طلاب الدرس الخاص لا يتجاوز 7 طلاب في معظم الدروس الخصوصية، وإن كان هناك مدرسون كانوا يضطرون إلى زيادة عدد طلاب الدرس أو المجموعة إلى 20 طالبًا، وكانوا رغم ذلك يعرفوننا بالاسم، وكنا ندفع في الشهر 5 جنيهات، ومن المدرسين الإجلاء من كان لا يسأل إذا كان الطالب يدفع قيمة الدرس أم لا.
أما اليوم فالدرس الخاص لم يعد خاصًا، حيث انتشرت مراكز للدروس الخصوصية أو السناتر، وأصبح الطالب يقاتل حتى يدخل إلى مقر السنتر من شدة التزاحم، والدفع يومي كالسينما – تدفع 60 جنيها (أو أكثر على حسب السنتر والمدرس).. تدخل تتفرج على المدرس وتسمع. تجربة السنتاتر رواها لي ابني – أحمد - وحكى عن معاناة دخوله إلى سنتر في مدينة نصر – على مشارف أحد المولات في شارع مكرم عبيد، وعن أنه وجد مكانا – والحمدلله – في المدرج في الدرج الثالث عشر، وعندما سألته لماذا لا يذهب إلى سنتر آخر، قال كل "السناتر" زي بعض، وأن عليه أن يحمد الله أنه وجد مكانا قبل بداية الدراسة.
وعندما سألته عند طريقة تقديم المعلومات في هذا المركز أو السنتر، أجاب: عادي..على سبورة بيضاء، وأن كثيرا من الطلاب لا يمكنهم رؤية ما يكتبه المدرس على السبورة، ولكنهم والحمدلله يسمعون. ولما تسألت عما إذا كان السنتر يحتوى على قاعات مجهزة بكومبيوتر وجهاز للعرض حيث يمكن للمدرس أن يزيد من حجم الخط على الشريحة بسهولة، قال أحمد: إن السنتر غير مجهز بذلك وأن الأمر يتوقف على المدرس، فمدرس مادة الأحياء يستقدم معه جهاز الاب توب الخاص به وجهاز لعرض المعلومات.
حسنًا، إذا كان التعليم في هذه السناتر تحول من درس خاص إلى درس عام، وإذا كان معظم الطلاب يدرسون الآن بمدارس خاصة ويصل عدد الطلاب بالفصل وفق رواية ابني إلى ربع أو خمس عدد الطلاب الذي يتواجدون "بمجموعة" واحدة في هذا السنتر، فما قيمة السناتر إذًا.
لماذا لا تقدم المدارس مجموعات للتقوية بدلا من هذه السناتر التي تستنفذ وقت الطلاب قبل أن تؤثر أو حتى تستنفذ ميزانية بعض الأسر. ورغم أني عادة انتقد الحكومة على أدائها، فإنها لا يمكن لوم وزارة التربية والتعليم على تغلغل وانتشار السناتر، لأن هناك العديد من طلاب المدارس الخاصة ومدارس اللغات يدرسون بهذه السناتر، فالسناتر تزداد وتتكاثر بقوة الدعم الأسرى على أمل أن يحصل الأبناء على درجات أعلى في الثانوية العامة، وكيف تتخذ الحكومة قرارا بإغلاق السناتر وأبناء العاملين بالوزارات وأبناء بعض الوزراء يدرسون بهذه السناتر، فهل إغلاق السناتر يحل المشكلة؟
قرار وزير التربية والتعليم بتخصيص 10 درجات للسلوك والحضور في المدارس كارثي حسب وجهة نظر ابني أحمد، وعندما سألته لماذا أجاب: "أنت عايز الطالب يخلص مدرسته الساعة 12 ويجري علشان يروح السنتر". الوزير اتخذ هذا القرار لأنه يعرف أن الطلاب لا يذهبون إلى المدرسة، فالسنتر أقوى وأبقى، وحتى إن تمسك الوزير بقراره، ستسعى المدارس لإيجاد حل ما، بحيث تتحول معه الدرجات العشر إلى هدية للطلاب حضروا أم لم يحضروا.
مراكز الدروس الخصوصية –أقصد العمومية– ليست مجموعة من المراكز التي يمكن القضاء عليها بسهولة فقد أصبحت عرفًا في المجتمع، ورغم أن المادة 120 من مشروع قانون التعليم الجديد تحظر الدروس الخصوصية خارج المدرسة أو مجموعات تقوية بمقابل داخل المدرسة، فإن السناتر أقوى من القانون الذي لن يلبث أن يكون مثل غيره من القوانين حبرًا على ورق.
المادة 120 من قانون التعليم الجديد حظرت مجموعات التقوية بمقابل مادي داخل المدارس، حسنًا ماذا سيفعل الطلاب إذًا كانوا يشتكون من التعليم في المدارس، وما زاد الطين بلة أن المادة نفسها طالبت المدارس "بوضع برامج لمعالجة الطلاب الضعاف"، طيب موش لم يكون فيه هناك مدرسة أولا يا سيادة الوزير، ويكون هناك تعليم. فإذا كانت المشكلة في العملية التعليمية برمتها، كيف يمكن لمدارس فاقدة لأبسط إمكانات البنية التحتية ومدرسين متذمرين من مرتبات متدنية، أن تقدم برامج لمعالجة الطلاب الضعاف.
إصدار القوانين لن يحل مشاكل مصر، لأن المشكلة ليست في عدم وجود قوانين ضابطة وحاكمة ولكن في عدم وجود مصارد مالية لإقامة مدارس تتمتع ببنية تحتية سليمة، ومدرسين لديهم مرتبات تكفيهم، ودورات تدريبية مستمرة ليست مرتبطة "بالكادر".
إذا كان سيادة وزير التربية والتعليم –الحالي أو القادم– لا يعرف أن المشكلة ليست في عدم وجود قانون تعليم لكن في مدارس لا تمتلك بنية تحتية وعملية تعليمية متهالكة مثلها مثل المدارس، فجهل سيادته بهذه الحقيقة مصيبة، وإذا كان يعرف ووافق رغم ذلك على مشروع القانون، فأن ذلك بمثابة اعتراف بأن القانون "مالوش لأزمة".