قرارات معالى الوزير
عندما يُكلف الوزير بحقيبته الوزارية فإنه يكون بمثابة ضيف شرف على الوزارة ولكن اتخاذ القرارات الفعلية تخرج من المطبخ الإدارى لهذه الوزارة وحتى وإن أتى الوزير بمساعدين يثق بهم ومستشارين من طرفه فهى فساد مضاف للفساد الموجود والموروث في هذه الوزارة فمعالى الوزير ووكلاؤه عمرهم مهما طال قصير على الكرسى ولكن رؤساء الطاقم الإدارى فكراسيهم ثابتة لا يترُكونها إلا بإحالتهم إلى المعاش أو بالموت.
ومن يدفع فاتورة الفساد الإدارى هو وحده معالى الوزير لأنه شريك رغمًا عنه في فساد حَمَلهُ داخل حقيبتهِ الوزارية عند حلف اليمين فيصبح أمامه إحدى أمرين إما أن يتوافق ويتَكَسب من فساد مُعتاد عليه أو يقدم إستقالته والأخيرة مستحيلة ونادرة ولم ولن تحدث.
وهذا بالإضافة إلى أن الموظفين الإداريين "المثبتين" في الوزارة مستقر في أذهانهم أنهم أقوى من الوزير لأنهم "ثابتون" وهو "متغير" فلا يستطيع أي من كان أن يقتلعهم أو "ينقلهم" من على كراسيهم فيكون لازمًا وواجبًا على أي وزير يتولى الوزارة أن يُسلم بهذه المسلمات التي بمثابة عربة بلا إطارات وبلا مُحرك فهى هيكل وكراسى فقط ومطالب هو أن يقودها ويسير ويبتسم وهو يقود ولكن الغريب أن السيارة برغم مافيها من عَطب تسير ولكنها تسير على أقدامنا نحن الشعب حتى أنهكنا التعب ونخر في عظامنا الوهن ونموت ونحن مُخيل لنا أن السيارة تسير وأن شخصًا يقودها.
والحل ممكن بأن يكون هناك حركة تغيرات للقيادات والموظفين بصفة دورية ويكون هناك نظام وإستراتيجيات ممنهجة تُتَبع بحيث يستشعر المواطن بالفعل بأن الحكومة بموظفينها وبقياداتها وبوزيرها في خدمته من هنا سيشعر المواطن بالفخر ويعلو عنده الانتماء ولكن هذا يتطلب مزيد من الوقت ومع السياسات الثابتة المتطورة.
أما بالنسبة لعلماء هذا الوطن والمتمثلة في أعضاء هيئة التدريس والبحوث في الجامعات والمراكز البحثية فتطوير البحث العلمى لا يتأتى من كشف يقدمه الباحث عن نشاطه الإسبوعى وإنتاجه العلمى بل من سياسات وإستراتيجيات تُتيح للمراكز البحثية والجامعات من استغلال كل طاقات أبنائها من العلماء وتكون هناك محددات وظيفية لكل مدرس أو أستاذ تكون نظير راتبه الشهرى وهذا بالإضافة إلى إنتاجه العلمى والذي يرجع إلى الباحث نفسه فبدون إستراتيجيات لا يمكن أن يحدث التطوير ومن العيب أن نعيل تأخر البحث العلمى على الباحث نفسه فالقدرات لا تظهر إلا بالعمل وتوفير العمل لا يتأتى إلا من سياسة علمية توضع من قبل الموسسة العلمية نفسها فكأنك صاحب عمل ولديك موظفين يتقاضون رواتهم بانتظام كل شهر ولكنك لا تستطيع استغلال طاقات هولاء الموظفين بإيجاد عمل مستمر يغطى مصاريفك ومصاريف رواتبهم فالعيب فيك لا في موظفينك فصاحب العمل الخاص الفاشل سيوفر رواتب موظفيه بغلق المنشأة ولكن هذا الأمر في الحكومة مستحيل طبعًا.
وهل يعقل أن يمول البحث العلمى ويكون تطويره من راتب الباحث نفسه الذي مطالب بالنشر على نفقته الخاصة وحضور مؤتمرات علمية والسفر والإقامة من راتبه الذي هو من حق أولاده؟ بالطبع سيكون هناك خلل في كل المنظومة من القاع إلى القمة ومن القمة إلى القاع والكل يتكلم ويطالب بالتطوير والكل يصرخ فالذي يطالب بالتطوير يصرخ في الميكرفون والمستمعون يصرخون دمًا فيسمعون ولا يتكلمون وفى الآخر يستمر الوضع كما هو عليه بل يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
فهل هناك من يعشق تراب مصر؟ وهل تصدقون أن كل من يسعى لمنصب الوزير يريد الخير لمصر؟ وما زلتم تأملون خيرًا في نواب مجلس الشعب وتصدقون أنهم ينفقون الملايين لكى يخدموكم وهم نواب في البرلمان؟
وهل تصدقون بعد كل ما ذكرته وبكل صراحة أن أصبح وزيرا؟
لك الله يا مصر