موت بلا ثمن.. وبيع دون خجل
صحيح الصورة مرعبة، مربكة، مزعجة، وصحيح كان المشهد أكثر دموية رغم خلوه من الدماء.. صحيح كان استسلام الطفل السوري الغارق على شواطئ تركيا مذهلا، ومروعا، ونموذجا لقسوة البشرية، وظلمها، وعتمتها، وظلامها، وصحيح أيضا أن الناس تحركت، ولكن على صفحات التواصل الاجتماعي فقط.
والصحيح أيضا أن القاتل لا يزال يقتل، والأصح أن عدد المقتولين في سوريا أكثر من ربع مليون، وصحيح أيضا أن المشردين ملايين، واللاجئين ملايين، وصحيح أيضا أن الذين يعيشون الموت في مدن سوريا إنما يعايشون ما هو أقسى من الموت.
وصحيح أيضًا أن عواصم عربية تقتل مثل دمشق، وعواصم عربية تجمع الإرهابيين من كل حدب وصوب؛ لتقتل الشعب السوري، وصحيح أيضًا أن الجامعة العربية بقيادة هذا المجهول تبارك يوميا قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وصحيح أيضًا أن مصر الرسمية لم تتواز مع مصر الشعبية في وقوفها بجوار سوريا، وصحيح أن سقوط سوريا هو سقوط لنموذج المقاومة وانتصار لعربدة النفط.. سقوط سوريا هزيمة لمصر، وبقاؤها انتصار لإرادة شعوب حاربت عدوا غاصبا، ولا تزال تواجه وحدها خطر المواجهة.
وصحيح أيضًا أن سقوط العراق بأيدينا نحن العرب قبل الصهاينة، كان سقوطا لهيبة الأمة، وصحيح أن سقوط بغداد كان سقوطا للعروبة، وانتصارا لطهران، وسقوط دمشق هو سقوط لما قبل آخر حصون الأمة.. سقوط دمشق يعني أن أوان القاهرة قد آن، وأن الدور على نساء مصر، وأطفال مصر، وشيوخ مصر.
هل تتذكرون محمد الدرة؟.. كان مقتله مروعا! ومرعبا! ومفزعا!.. بعده كانت جثث أطفال العراق قد شوهتها قنابل السرطان، وقبلهم كانت صور أطفال بحر البقر في مصر رمزا على همجية القوى الكبرى، كل هذه حقائق عشناها ونعيشها وسوف نعيشها في الزمن القادم، مادمنا نعايش الموت دون إعراض، ودون مصارحة، ودون محاسبة.
الذين تحركوا لصورة الطفل هم أنفسهم من تحركوا للدرة، مجرد حركة، مجرد دموع نساء لا أكثر.. الذين تحركوا لطفل قاده الهروب من الموت إلى موت آخر، لم يتحركوا منذ سنوات لبيع سوريا، وقتل سوريا، وذبح سوريا.. الذين تحركوا إنما يريدون أن يختزلوا القضية.. قضية الموت بلا ثمن، والبيع بلا خجل، إلى تفاصيل يضيع معها الحق، وتتوه الوقائع، ويتسرب القاتل من بين أيدينا ليكرر جريمته بعد بغداد ودمشق في القاهرة.