رئيس التحرير
عصام كامل

مابتعرفش تعوم تبقى..


دُعيت من قبل صديقة، لحضور مؤتمر في إحدى كليات الهندسة، وكان المؤتمر يحمل عنوان "تحويل بنزين 80 إلى بنزين 95"، واعتقدت في البداية، أن هناك مادة قد اخترعها أو اكتشفها الباحث تضاف على بنزين 80 ليتحول داخل خزان السيارة مباشرة إلى بنزيل 95، ويرفع رقم الأوكتان، وأين الاختراع إذًا؟


ففي الأصل بنزين 95 هو في الأساس بنزين 80، وتحول بفعل الإضافات مثل الميثانون وغيرها من المواد، إلى بنزين 90 و92 و95 طبقًا لنسبة الأوكتان، ولكن في بداية المؤتمر، تكلمت أستاذة محترمة من أساتذة كلية الهندسة، وقدمت الباحثة التي عرفنا أنها طالبة ماجستير تحت إشراف هذه الدكتور الفاضلة، وأن هذا البحث هو من رسالة الدكتوراه التي مازالت تحت الدراسة، وتكملة لرسالة ماجستير الطالبة، التي بدأتها مع أساتذتها، وأن النتائج التي حصلت عليها الباحثة تحتاج إلى مزيد من الدراسة، وهذا ما صرحت به الدكتورة المشرفة على الرسالة، ثم جاء دور الباحثة لشرح النتائج التي حصلت عليها، مؤكدة أن موضوع البحث ليس جديدا، ولكنه تطوير عادي لاستخدام خليط من المركبات؛ لرفع نسبة الأوكتان للحصول على بنزين 92 و95 من بنزين 80.

ولكن السؤال الغريب: هو لماذا هذا الكم من القنوات الفضائية؟.. هل قدمت الباحثة ما هو يرقى لدرجة الاختراع الذي يبهر العالم؟.. أو أوجدت شيئا من العدم؟.. بالطبع لا، ولكن للباحثة كأي باحثة أو عالمة شابة لها كل الشكر والتقدير لمجهودها، وكل الاحترام للأساتذة المشرفين الأفاضل.

ولكن وراء هذا الشو الإعلامي كيان هش وأشخاص لا يهمها البحث ولا الباحثين، بقدر محاولة استغلال العقول الشابة والظهور في الإعلام على أنهم رعاة الموهوبين، ولكنهم يفسدون أخلاق الباحثين والشباب بالأضواء الإعلامية الكاذبة، وما يدل على صدق كلامي أن مقدمة المؤتمر أخذت وقتا كبيرا جدًا في تلميع هذا الكيان الهش وتضخيمه وتقديم ما يدعى أنه الأمين العام، بأنه سيادة المستشار الدكتور فلان، هو في الأساس ليس مستشارا في سلك القضاء ولا هو حاصل على دكتوراه من جامعة معترف بها، وسَلكَ طريق البحث العلمي، كما نعهده جميعًا من مشقة وقراءة وما إلى ذلك.

ومحاولة مقدمة البرنامج وهي جزائرية الأصل، أن تلمع نفسها بأن ادعت أن هناك وكالات إعلامية أجنبية حاضرة المؤتمر، وذلك لإعطائها مبررا لإظهار قدرتها على القراءة باللغة الإنجليزية والفرنسية، وقد حضر المؤتمر سبعة قنوات فضائية مصرية فقط، ولم يحضر تقريبًا أحد من الجمهور غير مستشارة ذات سمعة طيبة عالمية، والجميع يجلوها في مصر والعالم العربي، وبالطبع لأنها شخصية عامة وتحترم من الجميع، وبالتالي سترحب القنوات الفضائية بتلبية دعوتهم لحضور المؤتمر لشخصها.

والعجيب أن كل منظمي هذا المؤتمر من الذين يطلقون على أنفسهم ألقاب غير حقيقية مثل الدكتور والمستشار، ويتمسحون في العلماء الحقيقيين والعقول المبدعة؛ للتلميع الإعلامي لهم ولكيانهم الهش، ولو كانوا يحترمون الإبداع والعلم لخجلوا من أنفسهم من أن يلقبوا أنفسهم ألقابا لا يستحقوها، فكما هناك على أرض مصر من يتاجر بالدين هناك من يتاجر بالعلم والعلماء، وهو لا علم ولا عقل له.

وفي النهاية.. تحضرني نكتة أود أن أختم بها لإضحاكم فقط لا غير.

في يوم من ذات الأيام ضجر حمار من الناس الذين ينادونه بيا حمار، فذهب للقاضي يشتكي له أنه يريد أن يغير اسمه، فسأله القاضي بماذا تحب أن ينادوك الناس.. ففكر كثيرًا وأخيرًا قال له (سمكة)، أحب أن ينادوني الناس بسمكة، قال له القاضي ولك ما طلبت..

ففي يوم جلس الحمار على المقهى والناس تناديه بسمكة، وهو سعيد جدًا وفخور بنفسه، فشاهد قردا فدعاه على كوب من الشاي، وقال له ما اسمك، قال له ميمون، فرد القرد وأنت ما اسمك، قال له سمكة، فرد القرد عليه وعلى كدة بتعرف تعوم، فرد سمكة وقال له (بالطبع لا)، فرد القرد وقال (تبقى حمار). 

ولك الله يا مصر..
الجريدة الرسمية