رئيس التحرير
عصام كامل

تجسيد الأنبياء والصحابة والأولياء


في برنامج العاشرة مساءً للإعلامي وائل الإبراشي، وحلقة خاصة عن تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الدرامية، وكان يجلس شيخ تابع لمؤسسة الأزهر وآخر يبدو عليه من الإخوان أو من السلفية المتشددة، وهذا واضح من أسلوبه المستفز غير الأخلاقي في بعض الأحيان، وكانا يناقشان مخرجا كبيرا وكاتبا دراميا حول عدم جواز تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الدرامية، بل أكدوا أنها منافية للدين بل إنها تهدم أسس الدين الإسلامي، وكان كم كبير من المداخلات نساء ورجال يؤيدون بل يصرخون كأن أعمدة الإسلام ستهدم، وأن بتجسيد الأنبياء سينهار المسلمون وسينهار الإسلام.


فعجبًا ما سمعت، فقد شاهدت مسلسل يوسف الصديق الإيراني المدبلج بالعربية، ولم أر فيه ما هدم الدين وأخرج المسلمين من إسلامهم.

بل في الديانة المسيحية وهم أكثر احترامًا وتقديسًا لرجال دينهم، يجسدون السيد المسيح وهو في معتقداتهم هو ابن الله وليس نبيا، وكذلك يجسدون السيدة مريم العذراء وهي في معتقداتهم هي أم ابن الله بل يجسدون على مسارح الكنائس كثير من الأنبياء والصديقين، ولم نر أن المسيحية قد هُدمت وأن المسيحيين قد استهانوا بمقدساتهم أو أنهم عبدوا من يقوم بتجسيد شخصية المسيح أو ما إلى ذلك بل العكس هو الصحيح.

بل إني أرى عندما أستمع إلى قصة من أحد المشايخ من أعلى المنابر أو من أحد البرامج الدينية، وهو يقص علينا سيرة النبي ويصرخ ويقول عندما دخل أعرابي إلى النبي، وقال له كذا ويقصون أن عروق عمر بن الخطاب قد نفرت ورفع سيفه يريد أن يقطع رقبة الرجل، وأن الرسول لم ينهر الفاروق عمر عن فقد أعصابه وتخليه عن اللين بل يحكون أنه اكتفى فقط بأن أشار إليه بيده أن يكف وبدأ هو - أي الرسول - يكلم الرجل، وفي النهاية يخرج الرجل وقد آمن وأسلم، وكان خيالي حين أسمع هذه القصص وأنا صغير يخيل لي أن الرجل خرج وسكت خوفًا من أن يناله سيف عمر أو أحد الصحابة، وليس اقتناعًا بالرسول، وهذا لأن الشيخ أو المدرس عندما كان يقُص علينا كان يمثل لنا القصة بتعابير وجهه هو، فكنا كأننا نرى الرسول ونرى الصحابة بغير حقيقتهم أو بصورة في خيالنا ليس بها الورع والتقوى التي يصفونهم بها، فما يقولونه ويمثلونه بتعابير وجوههم مناقض لما يصفونه بكلامهم.

ولكن عندما نعهد لممثل بارع يدرس أبعاد الشخصية وأبعاد ما يريده أن يصل إلينا، ومن خلال تجسيده للدور سيصل بالتأكيد وبصورة أفضل بكثير، من طريقة المشايخ ذات الصخب والانفعالات غير المبررة وغير المدروسة والمتشابهة الأداء لجميع الدعاة، فيجب أن نأخذ المواضيع بدراسة مستنيرة وافية، وأن تجديد الخطاب الديني يجب أن يبدأ من هنا، ولكن بعد أن يتغير الأفق وما استقر في أذهان المسلمين عن الحلال والحرام.

ويجب التركيز على المعاملات الإسلامية السمحاء، والقصص التي تُربي النشأ على سمو الأخلاق وأخلاق النبي الحقيقية، التي شوهتها كتب التراث العفن والابتعاد عن القصص الملفقة مثل قصة خالد بن الوليد، التي يحكيها المشايخ ويصورون لنا مشهد خالد وهو يذبح رجلا ويصطفي زوجته لنفسه، بل بعد أن قطع رقبة الرجل أخذها ووضعها بين حجرين، وأشعل فيها النار ووضع فوق النار قدرا مملوءا باللحم، ليطهو اللحم على حريق رقبة الرجل، ويصورونه ودرعه يعلوه الصدأ من كثرة الدماء، ولك أن تتخيل أن هذه القصص تُحكى للأطفال فأي إرهاب يتعلمه الطفل منذ نعومة أظافره، معتقدًا أنه دين، وإن الإرهاب قوة، ويقولون إن المؤمن كيس فطن، فيخرج الأطفال وقد تعلموا الكذب والخداع على أنها كياسة وفطنة.

وبالرغم من أنني مدرك تمامًا ما سأقابله من نقد، ولكن هذا رأيي الذي أؤمن به، ومدرك تمامًا أنه البداية لخطاب ديني يبعد عن الإرهاب والعنصرية،  ولنا الله عز وجل..
الجريدة الرسمية