رئيس التحرير
عصام كامل

«نور الشريف» الفنان والإنسان والصديق!!


منذ سماعي خبر وفاة الفنان نور الشريف، وأشعر بارتباك في مشاعري وذهني، ربما غير مسبوقين على فنان أو شخصية عامة كنت أعرفها ورحلت، حيرتي من نفسي، لا أجد للكلمات قيمة أو ما يعبر عن الحالة التي أشعر بها تجاه الإنسان الراقي الذي عرفته ما يقرب من عشرين عاما، لم أر منه إلا كل شيء يدعو للسعادة والفخر، بل يؤكد أنه القدوة التي يجب أن يحتذى بها.

الفنان نور الشريف منذ ما يقرب نصف قرن وهو نجمي المفضل، النجم الذي كنت أرى فيه الإنسان المصري، منذ رأيته في "القاهرة والناس" المسلسل اليومي الذي قدم نجوما كثيرة، ولكن يبقى نور الشريف هو الأبرز، وفي شبابي كان النموذج الفني المثقف المدهش بأدواره وأسراره على تقديم كل جديد من الأدوار، وقدم المؤلفين والمخرجين الشباب أيضا، أما العشرين عاما الأخيرة فهي أمر آخر، تعرفت عليه، اقتربت منه، أحببته أكثر، شعرت فيه بإنسانية فطرية مع من حوله بشكل مدهش.

أول لقاء دعوته لندوة عن "السينما والعولمة"، وكان موعد بدء الندوة السابعة مساء، وأتت المفاجأة أن النجم الكبير أيضا كبير في انضباطه، وجاء قبل موعد الندوة بساعة كاملة، وسط دهشتنا جميعا، خاصة أننا لنا تجارب مع الكثيرين كانت مخزية.

موقف آخر وبعد تصوير الدالي، اتفقت أن نناقش هذا العمل في ندوة يحضرها مع الشباب والمؤلف، وكان من طبيعة الاتفاق مع الفنان نور الشريف هو أنني أتحدث معه مرة واحدة فقط ثم انسى الأمر، إلا إذا حدث أمر يستدعي التواصل مرة أخرى، في هذه المرة شعرت بأن الأمر ليس طبيعيا، ولهذا اتصلت به كثيرا فلم يرد، شعرت باليأس وقلت البركة في الوجوه الجديدة التي ستحضر الندوة، ويوم الندوة وفي الفجر تقريبا فوجئت بتليفوني يصرخ، فإذا بالفنان الإنسان نور الشريف الذي يطلب مني الاعتذار للجمهور لعدم حضوره؛ لظروف خارجة على إرادته، ثم قال: سأقول لك سرا لا يعرفه أحد ولا تقوله لأحد.. "أنا في مستشفى بالسويد، وبجري تحاليل الآن مهمة ادعُ لي تيجي الأمور سليمة!".

والحمد لله عاد وأكمل الدالي، وقدم عبقريته "الرحايا" في دور معجز لكل من يشاهده.

لقاء آخر جمعنا في ندوة، وقبل ندوتنا بـ24 ساعة فوجئت به على شاشات التليفزيون اللبناني وعلى الهواء من بيروت، اتصل بي الأصدقاء، الندوة فشلت قبل أن تبدأ، لم أعرف ماذا أفعل؟.. وفي الصباح قرأت خبرا قصيرا احتمال عمل مشترك لنور الشريف مع التليفزيون اللبناني، ولهذا تأجل موعد عودته!

وكان الاتفاق أن يكون ضيوف الندوة نور الشريف والمخرج يوسف شرف الدين، والمؤلف وليد يوسف وحسن الرداد، وكانت المفاجأة المذهلة أن يتصل الفنان النموذج نور الشريف في السادسة والنصف، ويقول إنه في الطريق للندوة، ولكن أريدك أن تقابلني على الباب لتعبه ولن يسجل للتليفزيون إلا بعد الندوة!

أدهشني أكثر عندما وصل، كاد لا يستطيع السير على قدميه، وتقريبا حملناه أنا وحسن الرداد وأحد الأصدقاء وذهب مباشرة على المنصة وسط حب غير مسبوق لأي نجم آخر، ووسط أكثر من عشرين قناة فضائية والصحف والمواقع، ولكنهم كانوا يراهنون على مصداقية هذا الفنان الفذ، فطالما وعد، نفذ وعده وتحت أي ظروف.

وبعيدا عن الإعلام والأضواء، سألته عن مسلسل عمرو ابن العاص.. فقال: لم تعجبني شخصية عمرو ابن العاص، ولكن الشخصية التي أثرت في حياتي وتفكيري عمر بن عبد العزيز، للراحل الصديق الشاعر عبد السلام أمين، وبهذه المناسبة غياب عبد السلام أمين أثر على المسلسلات التاريخية بشكل عام، وعلى نور الشريف بشكل خاص؛ لأنه قارئ ومتميز بشاعريته في رسمه للشخصيات.

سألته ذات لقاء بعد مسلسل الرحايا.. أشفق على المسلسل من لحظة قيامه بدور الميت؟؟.. ابتسم الفنان النموذج نور الشريف: أنا لا أخشى الموت.. ولكن يصيبني الرعب من المرض!!

منذ لحظة معرفتي بخبر الوفاة وأنا لا أعرف ماذا أكتب؟.. ولكن أذكر في ندوة الدالي، وقف أحد أفراد الجمهور ليقول: أستاذ نور أنا جاي من إسكندرية مخصوص علشان بحبك وأقدرك!!

لحظتها همست في أذن حسن الرداد قائلا: سامع.. من الإسكندرية للقاهرة من أجل نور الشريف، الفنان الإنسان القدوة النموذج!.. صمت الرداد، وأتمنى أن يكون هو وغيره يتعلمون من سيرة نجاح هذا النموذج.. إلى نور الشريف.. ستبقى حبيب العمر دائما!
الجريدة الرسمية