رئيس التحرير
عصام كامل

شنبارة الميمونة


على الرغم من عهود السيسي في إقامة تنمية حقيقية بالأراضي الزراعية، إلا أن ملف الريف المصري ما زال منسيا حتى الآن.. فتأتي قرية "شنبارة الميمونة" أحد أهم وأكبر قرى محافظة الشرقية، مثالا على بشاعة فساد أخلاقيات الريف، وشيوع الجرائم والبلطجة التي وصلت لحد التراشق بالسلاح في النهب والسلب والقتل.

بالإضافة إلى الاعتداء على الأرض الزراعية وترعها وتبويرها لبيعها بأعلى الأسعار؛ لإقامة كتل خرسانية شاذة غبراء على حساب الخضرة، فضلا عن اقتصاديات القرى التي تدار في الخفاء بالملايين دون ضرائب، ولا حتى سجل تجاري. فمن هنا يبدأ المأزق الحقيقي للرئيس الذي قدم نفسه للشعب بأنه مسئول عن الأخلاق والدين والدولة.

لم أكن أتخيل يومًا أني أسمع أخبار الشر عن هذه القرية، وأن يعتدي عليها البلطجية وقطاع الطرق ولصوص الأسواق، وأن تبور فدادينها الفسيحة من ندرة الماء، وأن تتسمم زراعتها بري الصرف الصحي، وأن تتحول الأراضي الخضراء إلى كتل أسمنتية قميئة المعمار والذوق.. أن تجفف ترعها وتردم.. أن يخرب مستشفاها ويغلق.. أن تضيع بهجة أعيادها بجرن "أبو مسافر".. أن تنطفئ البهجة في ناديها القديم.. أن تبور شجرة الجميزة العتيقة.. فهل هذه قريتي التي تربيت فيها على الجمال والطيبة؟.. وفيها تعلمت معاني القيم والنبل والفروسية على يد أساتذتها الأجلاء؟.. وهي القرية التي اختارها العارفون بالله، مقرا لطوافهم لهدوئها وخلوتها المحاطة بسياج الخضرة والماء والوجه الحسن، المرسوم على وجوه ناسها الطيبين.

هي شنبارة الميمونة التي لها من عمق التاريخ في عائلاتها الممتدة جذورها منذ عهد الأجداد الفراعنة، حين لقبوها ب(شِنْـ / شونة - بَارة / القمح)، أي كانت في مهد القدم مخازن غلال للفراعنة، وفي عهدها المتـأخر تم إردافها بالميمونة، أي البركة والخير لصلاح فلاحيها الطيبين.

قدم أهل هذه القرية نماذج بشرية قمة في التفوق والإنسانية، فمنها كم خرج من المتفوقين والأوائل على القطر المصري في المرحلة الثانوية، ومنها أساتذة الجامعات المرموقين، ومنها العديد من القيادات التنفيذية ونواب الشعب والحكماء وأصحاب الفكر والرأي.. ومنها وجهاء وأعيان العائلات الكبيرة، تلك العائلات التي أقامت على أراضيها "تبرعًا" مساحات كبيرة للمشروعات التطويرية؛ محبة في النهضة والتنوير في العهد الملكي؛ حيث تم إنشاء وحدة صحية متكاملة ومدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية، وإنشاء معهد ديني من الابتدائي حتى الثانوي.

وحين قامت ثورة يوليو 1952م، ساندوها بشبابها المتعلم والمثقف والمجند.. ساندوا مصر، وقدموا نموذجا يحتذى به في البر المصري؛ حيث كانت نموذجا لما عرف في بدايات العهد الناصري بالقرية المركزية بإنشاء (المجمع) مجمع الخدمات التكاملية من وحدة إطفاء وإسعاف ومجلس محلي ومستشفى ومعمل تحليل وصيدلية وبنك زراعي وجمعية زراعية، ووحدة بيطرية، ومنحل ومزارع دواجن وماشية، وملعب رياضي واستاد كبير ونادٍ ثقافي ومكتبة ثرية ومسرح وقاعة سينما.

وفوق كل ذلك كان يوجد في القرية حضانة أطفال، تقدم أساليب العلم الحديث في توجيه وتربية الأطفال، وكانت تقدم لهم وجبة غذائية ساخنة.. كان المجمع نموذجا لجمال البستنة، غني بالحدائق والأزهار.

والآن يتم الاعتداء الأخلاقي والإداري على كل شبر في شنبارة الميمونة، التي في وضعها الحالي لا تحمل من معنى اسمها أي شيء، فكل ما كان فيها جميلا تحول إلى قبح، تحت سطوة البلطجة وسمسرة تبوير الأراضي الزراعية.

هي قرية تمثل نموذجا للقبح الذي صار في مصر، الناتج عن فوضى الربيع العربي.. فيها إسقاطات قوية ودلالات رمزية لكل ما حدث في مصر خلال الأربع سنوات الماضية، بما تحمله من ميراث الإهمال الثلاثيني والطناش العام من قبل الدولة؛ حيث تجسد مشاكل شنبارة الميمونة مشاكل مصر، ففيها اشتد التطرف المتأسلم وإرهاب البلطجة وقبح العشوائيات، وفساد الذمم والأخلاق في تجريف العقول قبل الأراضي.. ونجاح الرئيس في إعمار مصر، مقترن بنجاح موظفيه في إعادة إعمار الخير للقرية المصرية.

إنها شنبارة مصر الميمونة يا جناب عالي المقام رئيس مصر، فهل سمعت عنها؟، هل زارها جناب المحافظ ويعرف تفاصيل تاريخها؟، وهل على دراية بمشاكلها؟
الجريدة الرسمية