رئيس التحرير
عصام كامل

هاتوله راجل


سببان أساسيان أسهما بشكل مباشر فى صياغة كارثة استحواذ الإسلاميين على السلطة التى نعايشها اليوم، أولهما معاناة العوام والمهمشين الذين يشكلون السواد الأعظم من الشعب المصرى من انعدام خبرة الممارسة السياسية وتواضع المستوى الثقافى، وهذا لا يعيبهم فقد عمل النظام السابق على تجهيلهم بخطة ممنهجة لإحكام سيطرته عليهم وتوجيههم كيفما أراد، وثانيهما؛ استغلال الإسلاميين للعاطفة الدينية لدى البسطاء.


 ولكن أصل الكارثة يرجع إلى مفهوم التدين نفسه لدى هذه الطبقات.. من أين يأتى الجيل الحالى من المسلمين المصريين المهمشين بتعاليم دينهم؟ ثلاثة مصادر
أولها: من حيث الترتيب الزمنى هو جيل الآباء الذى سافر إلى الخليج فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، ثم عاد إلينا بأفكار الخليج وإسلام الخليج الوهابى المتشدد المختلف عن إسلامنا الأزهرى الوسطى الجميل، هؤلاء أسهموا بشكل كبير جداً فى نشر إسلام الخليج وعاداته فى المجتمع المصرى على مدار الخمسين عاماً الماضية حتى أصبحت العباءة الخليجية هى الزى الشعبى للمصريات بدلاً من الملاية اللف!... (والله الملاية كانت أحلى)، وثانيها: المساجد التى عادة ما يسيطر عليها أئمة ساديين يستمتعون بنظرات الرعب فى أعين المصلين وهم يرهبونهم بتلذذ من مشاهد عذاب القبر والشى والحرق فى جهنم، أما المعتدلون منهم الذين يعتمدون مبدأ الترغيب بدلاً من الترهيب ويتحدثون فى الروحانيات فهم قلة غير مرغوب فيها، لا من النظام السابق الذى كان يخشى من التفاف الناس حولهم ولا من الناس الذين لم يعد يستهويهم الشيخ الذى يتحدث برفق ظناً منهم فى غير محله أن الشيخ المتشدد أكثر تديناً.

أما آخر المصادر وأكثرها تأثيراً فهى القنوات الوهابية، التى دخلت كل بيت فى مصر بفضل الوصلات المسروقة، وأصبحت ملاذ الفقراء الذين حرموا من نعيم الدنيا واعتبروا تعاليم مشايخ الوهابية هو طريقهم المضمون للفوز بنعيم الآخرة، فتبعوهم أينما ذهبوا بأفكارهم المتطرفة دون أن يتفكروا ولو للحظة واحدة كيف يحللون اليوم ما كانوا يحرمونه بالأمس؟! ولماذا لا يطالبوا المملكة السعودية معقل الفكر الوهابى وراعيته بإلغاء الملكية وانتخاب خليفة للمسلمين؟

لابد أن يصدر قانون جديد بإغلاق كل القنوات الدينية الإسلامية والمسيحية على حد سواء، علماً بأن بدعة القنوات الدينية بدعة عربية، فلا يوجد فى أى دولة محترمة ما يسمى بقناة دينية.. فقط قنوات منوعات وثقافية ورياضية، فالقنوات الدينية لا تقل خطورة على المجتمع من المواقع الإباحية التى يسعى المتأسلمون لإغلاقها، كما أن التليفزيون ليس وسيلة للتثقيف الدينى، وعلى من أراد تعلم دينه أن يذهب إلى المسجد أو إلى الكنيسة، أما عن مشايخ الفضائيات الذين اتخذوا من لقب شيخ وسيلة (لأكل العيش) والشهرة المجانية رغم أننى أراهن أن معظمهم خريجى معهد الصرف الصحى، فلابد من منعهم نهائياً من الظهور على شاشات التليفزيون لا سيما أنهم أكثر من أساء للإسلام فى الفترة الأخيرة.. وليس هناك دليل على ذلك أسوأ من شيخ أزهرى يرفع حذاءه على ضيف بأحد البرامج التى لا تهتم سوى برفع نسبة المشاهدة حتى وإن اضطر مذيعها إلى أن يقلع ملط على الهواء، وفى حلقة أخرى يصيح نفس الشيخ الذى أصبح (نمرة) فى معظم البرامج: "هاتولى راجل"!... هذا الرجل المسمى ظلماً (شيخ)، لا حل له إلا بتنفيذ مطلبه... هاتوله راجل يا جدعان.
yasmine-elkhateib@hotmail.com.

الجريدة الرسمية