رئيس التحرير
عصام كامل

فيصل.. مجتمع الصحافة والمخدرات


حينما يكون المجتمع نموذجا لدولة مصغرة من المهاجرين، أو قل هو مجتمع "فك وتركيب" بلغة أولاد البلد، فأمام محترفى الجريمة فرص واعدة في الصعود وتحقيق أحلامهم.


وأغلب نماذج مجتمعات المهاجرين، خاصة بالمناطق التي تحولت بمرور الوقت من زراعية إلى كتل خرسانية متراصة بغير انتظام، بفعل مخالفات البناء على الأرض وتبويرها، أو كنتيجة طبيعية لما فعله الطريق الدائرى بإقليم القاهرة الكبرى، تسودها جرائم البلطجة والإتجار بالمخدرات، ولا تسمع لأبناء الطبقات الوسطى المتآكلة المتواجدة داخلها إلا صرخاتها متى وقعوا ضحايا لجرائم شتى.

تلك المجتمعات يسير الطيبون فيها داخل الحائط وليس إلى جواره، وترى المؤثرين في صناعة الرأى العام وتوجيهه أكثر ملاطفة ومرونة مع أقطاب البلطجة والجريمة، وأقل مواجهة لهم تجنبا لمصير مجهول لن تستمع معه لسيرتهم مجددا، بينما أصواتهم تعلو في مواجهة نظم وأجهزة إذا قرر أحد أعضائها التعرض لهم صاروا أبطالا وتحولوا إلى ضحايا نضال.

نموذج مجتمعات "الفك والتركيب" الذي تتواجد به فئتا أهل الجريمة وأهل الأضواء الأشهر، هو شارع فيصل بالجيزة، والذي يحصى لى زميل صحفى وجود أكثر من 700 من ممارسى المهنة به، كانت عقاراته تمثل سكنا مؤقتًا لهم كمجموعات مغتربة بداية حياتهم المهنية، قبل أن يصعدوا ماديا ويمتلكوا وحدات واسعة بأبراجه التي تخيف ارتفاعاتها أصحاب العقول.

وتمثل الكثافة السكانية بشارع فيصل أزمة كبيرة انعكست على المرور وعلى سلوك السكان تجاه علاقاتهم بالحى ذاته، والتي تنحصر غالبا في السوبر ماركت ومدارس الأطفال وعيادات الأطباء والمقاهى وقت لقاء الأحباء مصادفة، فيما تبنى لغة العيش داخله مفاهيم جديدة للعلاقات الاجتماعية التي لا تستوعب غير المصالح المشتركة التي تحكمها الحاجة إلى الأشياء والخدمات،فلا حضور لغيرها كما لا تحضر عائلات مكتملة متأصلة بالمكان يمكنها إدارة علاقات اجتماعية جيدة مع الوافدين.

تحت أبراج يقطنها أفندية قبلى وأرباب الفرص الخليجية يقف حملة السلاح وتجار ومتعاطو المخدرات، أغلبهم يسكن منازل قديمة هناك، منظومة تخدم وتحمى نفسها لا تجيد شرطة التعامل مع مفرداتها وأركانها غالبا، فهى على خلاف طبيعة الأحياء الشعبية القديمة الضيقة ذات المبانى المنخفضة، والتي يسهل السيطرة عليها وتجنيد المرشدين داخلها واستحضار أطراف الجريمة فور وقوعها.

الظهير المتأخر للشارع باتجاه الطريق الدائرى وطرفه الآخر بالمريوطية يشهدان حضورا أكبر لعنف أعلى ومزاجا أكثر علوًا لأهل الكيف، وتعاملًا أمنيا أكثر اشتباها في سكانها المضطرين لظروف مادية ضيقة إلى التواجد هناك.

أوجه الشبه بين "فيصل" ومتخللاتها ومجتمعات الطريق الدائرى بالمعادى والخصوص والمرج والمعتمدية وأرض اللواء والوراق وبهتيم وغيرها، كبيرة للغاية، جرائم عنف حد التطابق وأسعار عقارات تتصاعد بنفس المعدلات، مشاهد ترويج المخدرات وتعاطيها بالشوارع ومقاه تتسع للآلاف تستحوذ على أرصفة تغزو أغلبها مقالب القمامة، خدمات صحية وتعليمية حكومية وأهلية أقل ونشاط عقارى أعلى لسماسرة المبانى والأراضى، طبقة وسطى متآكلة تتجنب شرور بشر ونسخ متكررة لفواعلية مهاجرين وعصابات متسولين تحتل كل سبيل، وجرائم شتى ترتبط كثيرا بتجارة البغاء أيضا.

تلك المجتمعات لا يمكنك الحكم على نسق قيمى لسكانها أو استدعاء نموذج موحد أو متقارب لسلوكهم أو توجهاتهم السياسية أو مستوياتهم الفكرية، فهى بطبيعتها المتحولة خلال 4 عقود مضت من زراعات إلى خرسانات، استحوذت خلالها قانونية وضع اليد والبلطجة على فرص تحسين مرافقها وخدماتها للسكان، تقدم الفرص السهلة لجماعات التكفير والعنف للعيش والنمو داخلها، ونشر أفكارها وسمومها وتوجيه نشاط محترفى الجريمة لحسابها، راجع خريطة المسيرات المسلحة للإخوان وأربابها لتتأكد أن العاصمة محاطة بحزام ناسف من مجتمعات الفوضى، يقودها أشخاص كمن يسبون دين الله تعالى تحت العقار الذي أقطنه الآن، وأنا أكتب إليك هذه السطور، ثم ارفع يديك إلى السماء داعيا المولى عز وجل أن يخرجنى منها إلى الأفضل منها على خير.
الجريدة الرسمية