اغتيال النائب العام..عقوبة إخوانية للمصريين
هل تذكرون لحظة فرح فيها الإخوان الإرهابيون، وأعوانهم ومحبو الجماعة لشيء أسعد الشعب المصري، حتى تتعجبوا لتهليلهم وأنصارهم؛ لاغتيال النائب العام المستشار هشام بركات؟
سؤال طرحته على عدد من الأصدقاء بعد ساعات من استشهاد القاضي الجليل، لكن الإجابة كانت عند المتشككين الصمت، وعند المتيقظين بعقل جمعي وطني واعٍ "بالطبع لا".
دعنا لا نطيل على أنفسنا بتذكر أقرب مواقفهم الداعمة لبقاء مبارك، وتوريث جمال وعدم النزول إلى ميادين الثورة إلا على أجساد الشهداء، والنوم على فراش رجال مبارك قبل خطاب التنحي، وملاعبة المجلس العسكري للإسراع بعملية سياسية متعجلة، يحصدون بها السلطة على حساب مرحلة انتقالية تبحث خلالها مصر عن تمكين ثورتها وشعبها السعيد بها.
ثم استبعادهم كافة القوى الوطنية من تحالف يضمن حكم الثورة برلمانيًا، واستمالة المهووسين بأكذوبة "الإخوان فصيل وطني" للتوقيع على وثيقة فيرمونت المشبوهة في يونيو 2012، قبل التكويش على السلطة بالكامل وتكفير المصريين وحمل السلاح ضدهم، مقابل أخونة مستمرة للدولة ومؤسساتها، والتفريط في سيادتها على ترابها وحدودها وتوطين الإرهابيين داخلها.
حدد من أصدر أحكامًا مطلقة فاتهم القضاء والإعلام والجيش والشرطة بالفساد، وأبقى في الوقت ذاته على مفسدين يضمنون لقيادات الجماعة مصالح اقتصادية تمكنهم من السيطرة على البلاد، ونشر الفوضى وزيادة آلام المواطنين الذين واجهوا اتهامات بالكفر؛ لأنهم دون الجماعة، لأنهم مصريون، ثم سل نفسك من مارس العنف والتكفير معًا ضد شعب ودولة ووصف المصريين بالعبيد والانقلابيين، حتى ترد على الجهلة والحمقى المرددين "مش كل تفجير يبقى الإخوان".
عودة إلى بداية غير بعيدة، قبل أكثر من نصف قرن، سطور قليلة في عمر التاريخ، جريمة اغتيال الخازندار باشا قاضي مصر، والآن ملاحقة قضاة نفس القتلة مع اختلاف أسمائهم، شرفاء يحكمون بما تمليه عليهم ضمائرهم وتقره قوانين وشرائع، وأخيرًا اغتيال رجل كانت قراراته منذ عامين تتسم بالحكمة والقدر الأكبر من الشرف، في وقت عز الشرف وغابت الكرامة والنخوة عن أرباب الجماعة في الداخل والخارج، والمطالبين أنصارها بالتهليل والتكبير ابتهاجًا بقتل المستشار بركات.
ليست الصدفة وحدها التي جمعت الإخوان، وداعش، وبيت المقدس، وحماس، وغيرها على اتفاق واحد هو القتل، بل حركة تاريخ وتراث بشر ينهلون من معين واحد، يتقاسم معهم الهاربون إلى أحضان سفراء جهنم في قطر وتركيا وبريطانيا نصيبهم في لحم موتى، لا ينالون منه كالكلاب سوى بقايا العظام.
وليست الصدفة وحدها التي جعلت مشهد تفجير موكب النائب العام الشهيد "المحدود"، أقرب إلى مشهد محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق، وكلاهما في أرقى أحياء العاصمة، بل الإهمال والتعامل بمفهوم "الوظيفة" وخطة "القطعة" هو الذي هدد حياة الوزير وأنهى حياة النائب العام، وربما يغيب عنا شرفاء آخرون إذا ما تجاهلت الدولة ضرورة تحول رجالها داخل كل مؤسساتها إلى محترفين في مواجهة الإرهاب، وأشركت شعبها صانع الثورتين في المعركة، بمنحه استحقاقاته المتأخرة بفعل مسارات معوجة لحكومة غائبة عنه.
لا أفهم حادث اغتيال النائب العام على أنه استهداف لشخصية قضائية في ظرف سياسي مضطرب، بل هو عقوبة إخوانية جديدة لشعب صنفته الجماعة على أنه كافر داعم لـ"الانقلاب" المزعوم، تفسد به فرحته بعيد ثورته المأزومة مجددًا، ولا أستبعد صفة القاضي الشهيد كـ"مواطن مصري" كانت مواقفه واضحة في مواجهة الإرهاب، قبل أن يكون محققًا مسئولا عن ملفات وقضايا إدارة، ورجاله بضمير المستأمن على تطبيق القانون وصون حقوق وحريات مواطنين، تهدرها جرائم الإخوان وأربابهم يوميًا.
الفاتحة على روح الشهيد.. واللعنة على القتلة والمفسدين في الأرض.