السيسي والبطل محمود فهمي.. وانتصار العاشر من رمضان!
لم تكن أعمارنا تتجاوز العشر سنوات، ولكن كانت ظلال نكسة يونيو 67 تخيم على كل الشعب العربي، الذي ذهل من الكارثة وبدلا من تحرير فلسطين فقدنا سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة، أتذكر هذه الأيام والصورة التي لم تفارق خيالي، تلك التي كنت أرى فيها أهل قريتي يدفنون الشهداء في صمت، وأتصور الدولة كانت تتعمد إرسال جثامين الشهداء ليلا حتى لا تتأثر الحالة المعنوية للمواطنين التي هي في الأساس متدنية، والحقيقة أننا لم نكن نعرف عدد من استشهد في قريتنا، ولكن أذهلني أنني لم أكن أرى أي علامات للحزن على أهل من استشهد، بعكس ما حدث بعد انتصارنا في حرب (العاشر من رمضان 1393- السادس من أكتوبر 1973).
كنا نشعر بكل شهيد عند وصوله إلى القرية، وبالرغم من أن شهداء 67 أضعاف شهداء 73 إلا أن الناس شعروا بالفقد أكثر في 73، وبالبحث ومحاولة الفهم، أكد علماء الاجتماع وعلى رأسهم الصديق الراحل د. عبدالباسط عبد المعطي، أن مصر كانت تنزف في 67 وجرحها أكبر من أي حدث آخر، والإنسان المصري بفطرته، شعر أن ابنه أو شقيقه فقده أقل بكثير من جرح آلام- مصر- وبالتالي تراجع الحزن والألم على شهداء 67، بعكس شهداء 73 الذين فقدناهم وسط مظاهر الفرح بالانتصار وعبور الهزيمة، فكان خبر كل شهيد يصل وسط لحظات الفرح فنشعر بعنف الفقد والحزن.
أيام وتهل علينا ذكرى من أجمل الأيام في تاريخ مصر، والأمة العربية، وهي ذكرى انتصارنا في حربنا مع العدو الصهيوني، ذكرى العاشر من رمضان، ولا بد هنا أن ألفت النظر إلى أننا نقول: انتصارات حرب أكتوبر ونتجاهل تماما العشر من رمضان.. أما الصهاينة فيقولون حرب "كيبور".. باختصار الصهاينة يربطون بين عيدهم ويوم الحرب عليهم كما يزعمون، ويرسخون الحرب بالدين وأنها ضد دين أهلهم..! ونحن رسخنا أنها آخر الحروب.!
ونحن على أعتاب ذكرى الانتصار، أريد أن أذكر أحد الأبطال الأفذاذ ولكن لا نتذكرهم، البطل هو الفريق محمود فهمي قائد القوات البحرية، تولى المسئولية وعمره 39 سنة فقط، كان ذلك في ستمبر عام 1969، ويعد الأصغر في تاريخ الجيش المصري ولم تكن رتبته عميدًا ورقي استثائيا إلى اللواء في نوفمبر69، وبإجماع رجال البحرية يرون أن اللواء بحري محمود فهمي الأبرز في تاريخ البحرية منذ محمدعلي، من أبرز ما قدمه لمصر، عندما كان مديرا للعمليات البحرية، وبتخطيط منه تم تدمير فخر البحرية الصهيونية المدمرة إيلات في 21 من أكتوبر 1967، وبعد توليه قيادة القوات البحرية، تم تدمير ميىناء إيلات الصهيوني 3 مرات خلال عامين وفي تحدٍّ واضح للكيان الصهيوني، أيضا تم تدمير الحفار البترولي الصيوني أمام العاصمة ابيدجان لساحل العاج، وهو في طريقه للقناة عام 70، وتم تدمير سفينة البحوث الصهيونية بالصواريخ في عام 70 أيضا، وغير ذلك.
وبالرغم من خروجه المفاجئ بسبب سوء فهم لدى السادات إلا أنه كان حاضرا في معركة العاشر من رمضان-السادس من أكتوبر، فهو صاحب فكرة عمل مواد تسهم في سد المواسير التي جهزها العدو الصهيوني لإشعال مياه القناة في حالة عبور القوات المصرية، وقد نفذتها الضفادع البشرية ببراعة في 73، هذا البطل الذي توفي منذ تسع سنوات، لا تعرفه الأجيال الصاعدة ولا بد من ترسيخ هذه النماذج المشرفة والتي تبعث الانتماء الوطني سواء داخل القوات المسلحة أو في المجتمع المدني.
حاول السادات إصلاح خطأ إبعاده عن القوات المسلحة بالرغم من عبقريته الفذه كمقاتل فاختاره أكثر من مرة وزيرًا للنقل البحري إلا أن بطولة وعبقرية هذا البطل تظل في دوره كمقاتل قدم لمصر أعظم البطولات على مدى تاريخ البحرية المصرية، أتمنى ونحن نحتفل بذكرى الانتصار أن نذكر البطل اللواء بحري محمود فهمي وأخرين لا نعلم عنهم شيئا.
وتحيا مصر.. تحيا مصر...!