وزير العدل الأسبق المستشار أحمد سليمان لـ«فيتو»: تبعية التفتيش القضائي لوزير العدل كارثة
في مصر يبدو الحديث عن المنظومة القضائية وما تعانيه أشبه بـ«المحرمات»، ولا تسمح به أغلب الأصوات القضائية، لكن هناك من يملك الجرأة الكافية لأن «يغرد خارج السرب»، والبوح بكل مشاكل القضاء المصري من أجل التوصل إلى حلول تصب في نهر العدالة الناجزة، ومن هؤلاء وزير العدل الأسبق المستشار أحمد سليمان.
بكل أريحية تحدث المستشار أحمد سليمان لـ«فيتو»، محددا أبرز المشاكل في طريقة تعيين معاوني النيابة التي تطيح بالمتفوقين من كرسي العدالة، ومعها الدور المحوري لتحريات «الأمن الوطني»، ناهيك عن بطء إجراءات التقاضي، وقلة الإمكانيات المخصصة لتطوير العمل الإداري والأجهزة الفنية المعاونة، حتى أن الطب الشرعي يعاني نقص عدد أعضائه والأجهزة الطبية وإلى نص الحوار:
> منظومة القضاء في مصر تعانى مشاكل جمة.. ما أهمها من وجهة نظرك ؟
لا شك أن منظومة القضاء تعاني مشكلات عديدة تؤثر على أداء عملها وثقة الشعب فيها، وأهمها طريقة تعيين معاونى النيابة العامة، حيث يتم تعيينهم دون الإعلان عن ضوابط محددة للقبول حتى يكون المتقدم على بينة من تحقق الشروط فيه من عدمه، ويترتب على ذلك تعيين الأقل كفاءة، واستبعاد بعض المتفوقين رغم انطباق الشروط عليهم.
كما أن تحريات الأمن الوطني تلعب دورًا مؤثرًا وخطيرًا في التعيين، فإذا أوصت التحريات برفض تعيين أحد المتقدمين يستبعد تلقائيًا دون النظر للأسباب التي أوردتها التحريات، وكثيرًا لا تنال الأسباب من صلاحية المتقدم للتعيين أو تمس أسرته، فضلا عن أن الطريقة الحالية للتعيين قاصرة عن كشف إمكانيات المرشح وأخلاقياته، فالأفضل إنشاء أكاديمية العلوم القضائية، ليلتحق بها المتقدمون للتعيين في النيابة العامة للدراسة لمدة عام أو عامين، ويظل طوال هذه المدة تحت الملاحظة والتقييم، الأمر الذي يمكن من اختيار أفضل العناصر، ويجب أن تتضمن قواعد التعيين عدم جواز تخطى الأعلى مجموعًا في كلية معينة إلى الأدنى مجموعا دون سبب مبرر ومكتوب، ويحق للمرشح الاطلاع عليه والتظلم منه.
> وهل المشاكل تطول التفتيش القضائي؟
بالتأكيد، فتبعية التفتيش القضائي لوزير العدل من أبرز مشاكل القضاء المصري، فالقانون أعطى لوزير العدل الحق في إحالة القضاة لمجلس الصلاحية، رغم أنه عضو في السلطة التنفيذية، ما يعني أن القانون جعل للسلطة التنفيذية الحق في الإحالة إلى الصلاحية القضاة الذين يطالبون باستقلال القضاء ويرفضون تدخل السلطة التنفيذية في شئونه، إضافة إلى أن تلك التبعية تسمح بالتستر على خطأ بعض القضاة.
> هل هناك من أمثلة تحققت على أرض الواقع تؤيد هذا الرأي ؟
بالطبع.. أولها أنه تمت إحالة المستشارين محمود مكي وهشام البسطويسي؛ لأنهما طالبا بالتحقيق في وقائع التزوير التي أسندت لبعض القضاة، حتى أن وزير العدل الراحل المستشار «محمود أبو الليل» كان قد اعترف في مقابلة تليفزيونية، بأنه تعرض لضغوط هائلة وقتها، لإحالتهما للصلاحية، وأنه لم يندم في حياته على قرار اتخذه قدر ندمه على هذا القرار.
وبالنسبة للقضاة الذين أُسنِدَ إليهم التزوير في نتائج الانتخابات، فقد ظلت ملفات التزوير مفتوحة إلى عام 2013 حيث تم إغلاقها تمهيدًا لتشكيل دوائر الإرهاب، والتي شارك بعضهم في رئاسة دوائرها أو عضويتها.
ولا يمكن إغفال إحالة المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي القضاة الأسبق، لمجلس الصلاحية بزعم اقتحامه مبنى أمن الدولة، رغم أنه في الواقع تلقى اتصالا من بعض كبار المسئولين للحضور لمقر الجهاز لإنقاذ مستنداته من السرقة والإتلاف والحرق، فتوجه لمقر الجهاز، ونجح في منع المتظاهرين من اقتحامه.
أيضا التحقيق مع كل من المستشار عاصم عبد الجبار نائب رئيس محكمة النقض، وهشام رؤوف رئيس محكمة الاستئناف، لتلبيتهما دعوة نقاشية عن التعذيب، واشتراكهما في إعداد مشروع قانون لمكافحة التعذيب، بحجة أن ذلك يعد اشتغالا بالسياسة، لكنها في الحقيقة محاولة للتخلص منهما.
> من المشاكل المزمنة أسباب بطء إجراءات التقاضي.. فكيف يمكن التغلب عليها؟
بطء إجراءات التقاضي يرجع إلى التشريعات القائمة، مثل دعاوى إخلاء المستأجر للتأخير في سداد الأجرة أو الإيجار، وقد أوجب القانون على المؤجر تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة قبل رفع الدعوى، وذلك بإعلان على يد محضر، فإذا طالب المؤجر المستأجر بسداد ما يزيد على المستحق ولو كان جنيهًا واحدًا بطل التكليف بالوفاء، وإذا أقام الدعوى خسرها بهذا العيب، ما يضطر المؤجر إلى إعادة تكليف المستأجر بالوفاء بالمبلغ الصحيح ثم إقامة الدعوى بعد ذلك، ولا شك أن إلغاء هذا التكليف سيترتب عليه تخفيف العبء عن القضاة والمتقاضين.
كما أوجب القانون على المحكمة عند الفصل في الطعن بالتزوير، أن تفصل في الطعن أولًا، وتعيد الدعوى للمرافعة لنظر الموضوع، ثم الفصل فيه، ولا شك أن إلغاء هذه المادة سيعطى المحكمة الحق في الفصل في الطعن بالتزوير وموضوع الدعوى بحكم واحد، ما يؤدى إلى تخفيف العبء عن الخصوم والقضاة، ويؤدي إلى سرعة الفصل في الدعاوى.
كذا أعطى القانون للخبير الحق في عدم ممارسة المأمورية المسندة إليه من المحكمة إذا لم تسدد أمانة الخبرة، ولا شك أن هناك بعض الخصوم يتلكأون في سداد الأمانة كسبًا للوقت أو عجزًا عن سدادها لظروفهم الاقتصادية، فإلزام الخبير بمباشرة المأمورية دون توقف حتى سداد الأمانة سيؤدى إلى سرعة الفصل في النزاعات، وتستطيع الدولة تحصيل الأمانة من المكلف بها بالطرق القانونية.
> كيف تعتبر قلة الإمكانيات الإدارية عائقا أمام إنجاز العدالة ؟
قلة الإمكانيات المخصصة لتطوير العمل الإداري والأجهزة الفنية المعاونة أمر له تأثيره السلبي؛ حيث يعاني الطب الشرعي نقص عدد أعضائه وقلة الأدوات والأجهزة الطبية، وعدم توفير استراحات لهم، أو تأمين مقار العمل، كما يعانى الخبراء في بعض المحافظات من تكدس الخبراء في أماكن ضيقة لا تساعد على أداء العمل، حتى أن الخبير لا يجد مكتبًا يباشر من خلاله العمل.. إضافة إلى عدم إمداد الخبراء بصورة مستمرة بالطوابع الحكومية التي يستخدمونها في استدعاء الخصوم، وعدم جواز استخدام الطوابع البريدية العادية بديلًا عنها، وهذا مشكلة يمكن تفاديها بتوفير أختام لمكاتب الخبراء بديلًا عن الطوابع، ناهيك عن قلة عدد المحاكم والقاعات المخصصة للمحاكمة، الأمر الذي يستحيل معه إنشاء دوائر جديدة خاصة أن هناك محاكم تعقد جلساتها على فترتين أو ثلاث فترات.
> ماذا عن دور الخصوم ووكلائهم في تعطيل منظومة القضاء ؟
بعض الخصوم ووكلائهم يتلاعبون بإجراءات التقاضي، كأن يعلن الخصوم على محل وهمي، وتقديم مستندات مزورة، وطلب أجل لتأجير محام أو طلب المحامى آجلًا لإعلان موكله بالتنازل عن الوكالة، وهى أمور لا تملك المحكمة إلا الاستجابة لها، كذلك الأمر بالنسبة للطعن بالتزوير على المستندات وطلب رد القضاة، لكن يجب أن نعلم أن ترهل الجهاز الإداري بالمحاكم وعدم انضباطه يترتب عليه تأخير إرسال القضايا للخبراء والطب الشرعى وأبحاث التزييف والتزوير والتأخير في ضم القضايا المطلوبة، وقد يستغرق الأمر عدة أشهر، وقد تكون القضية المطلوبة في محكمة مجاورة أو في نفس المبني، وكذلك امتناع بعض المسئولين عن تنفيذ قرارات المحكمة.
> دائما ما يكون «المحضرون» في مرمى المشاكل وأبرزها تلقى رشاوى.. برأيك كيف مواجهة الأمر ؟
في الحقيقة هي من أكبر المشاكل، لأن البداية من المحضر، فإذا كان ممن يقبلون الرشاوى نتيجة غياب الوازع الدينى أو ضعف الراتب وعدم وجود رقابة عليه، فيستطيع تعطيل تنفيذ قرارات المحكمة مما يترتب عليه تأخير الفصل في الدعوى.
> دائما ما تنال اتهامات القضاء المصرى بتعرضه لتدخلات وتوجيهات الأنظمة الحاكمة.. فما صحة ذلك؟
في كل الأنظمة القمعية تحرص السلطة التنفيذية دائمًا على اختراق السلطة القضائية أو التغول عليها والاستعانة بالعناصر المنحرفة لتنفيذ أغراضها الذين يحتاجون إلى حماية السلطة التنفيذية، فالدولة لم تحرص على استقلال القضاء لأنه من منظورها في غير صالحها، ومن المؤكد أن هناك بعض العناصر من القضاة لا يصلحون لولاية القضاء.
> هل هناك من تجارب إصلاحية دوليا يمكن الاسترشاد بها؟
لقد شاهدت في تركيا مختبرًا جنائيًا وقسمًا لأبحاث التزييف والتزوير على درجة كبيرة جدًا من الدقة والتقدم، ويساهم في كشف غموض كثير من الجرائم، والتجارب عديده في أوربا وبعض الدول العربية الصادقة في الإصلاح ولكن المهم الإرادة.
> برأيك.. أيحتاج القضاء المصري ثورة تشريعية وما طبيعتها وملامحها؟
التشريعات المصرية في حاجة إلى ثورة لتنقيحها من التضارب والقصور، بداية من قوانين السلطة القضائية والإجراءات الجنائية والمرافعات والإثبات.