رقم قياسي في اغتيال الوزراء
لم أر دولة في حياتي برعت في اغتيال الوزراء، بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، مثل مصر التي ربينا فيها على لقب "أم الدنيا"، وبعد أن أضيف له ملحق جديد بعد ثورة 30 يونيو "وهتبقى قد الدنيا"، وبعد أن أصبح الدعاء الشائع لمعظم أبنائها "تحيا مصر".
مصر التي صدّعت رءوس العالم بأنها ذات حضارة تمتد إلى سبعة آلاف عام، لا تملك جهة علمية رصينة لترشيح القيادات، حتى باتت الخبيرة "صدفة" هي الجهة الوحيدة لاختيار الوزراء في اللحظات الأخيرة، لتسكين غليان الشعب تجاه ممارسات مرفوضة، أو الضيق بالمعيشة، أو عدم الشعور بعنصر الرغد المعيشي الذي يروجه إعلام كاذب ضعيف وموجه، وغير أمين.
فحين قرأنا الخبر العاجل في الخامس من مارس الماضي على شاشات التليفزيون وبرامج الموبايل الناقلة عن الصحف المصرية، بإزاحة اللواء محمد إبراهيم من وزارة الداخلية، تحسسنا قلوبنا، مخافة أن يكون الرجل الغامض، قد تم اتهامه بالتسبب في وقوع أحداث جسام، لم يكتشفها الأمن الوطني إلا بعد تخريب الكثير من مرافق مصر، واغتيال المئات من شبابها وضباطها.
وبعد أقل من ساعة من الخبر العاجل في اليوم ذاته، فوجئنا بتغيير وزاري محدود شمل ثمانية وزراء، كان على رأسهم رجل الأمن الأول، ومن بعده، حقن المهندس محلب في شرايين الحركة سبعة وزراء لم يكونوا سائغين لمرارته.
كانت سعادتي أنا شخصيا بالغة لتغيير وزير الزراعة، حتى علا صوتي مهللا ومكبرا بمجيء ما رأيته "حقا"، وزهوق ما تأكدت من أنه "باطل"، وأعني بالباطل هنا كتيبة "التخريب العمد" التي كانت ترافق الدكتور عادل البلتاجي في وزارة الزراعة، وكنت أوقن وما زلت بأن الحق هو ما سقط "سهوا" من الدكتورة "صدفة" بترشيح الدكتور صلاح هلال وزيرا للرزاعة واستصلاح الأراضي، وهو الترشيح الذي أنقذ اللحظات الأخيرة من مخطط محلب لإبعاد البلتاجي.
استبعدت الحركة سبعة وزراء غير وزير الزراعة، أحدهم وزير التعليم الذي كان ضحية مجموعة من الأحداث القدرية، والستة الآخرون كانوا أيضا من ترشيح الدكتورة "صدفة"، لذا لم يضيفوا ورقة إيجابية واحدة لحقائبهم، وغادروا بملفات ثمينة بها جواز السفر الدبلوماسي والمعاش الوزاري المعتبر (35 ألف جنيه) في زمن تراجعت مصر فيه على منحنى خط الفقر.
وحين دمغ الحاج إبراهيم محلب قراره بلقب "فلاح" لوزير الزراعة الدكتور صلاح هلال، رتب كل من توسم في نفسه القرب منه، أوراق "تقليب الرزق" لدى جهات المصالح الخاصة، وتحسس كل شيطان مقعده الذي كان يمثل "خلية إفساد" لقاعدة التخريب العمدية السابقة، وعادت عقارب ساعة "المليون فدان" من النقطة صفر.
واليوم، لم يمر على التغيير الوزاري الأخير سوى نحو 56 يوما، وهي فترة لم يجن فيها وزير الثقافة مثلا فاتورة طباعة أوراق خطة ورقية ربع سنوية لقصور الثقافة ودار الأوبرا، وبرامج المزارات التاريخية التي تتبعه.
ولو أن وزير الزراعة كان قد زرع صوبة خضار إرشادية في اليوم التالي لتوليه المسئولية، لما كان الحقل قد أثمر ليغطي تكلفة ما تم إنفاقه على الصوبة.
من هذا المنطلق، نتأكد من أن التغييرات الوزارية التي أعقبت ثورتي 25 يناير و30 يونيو، كانت كلها بلا أهداف، ولذا سوف تصبح بلا إنجازات، سوى تحريك قيادات الهيئات التابعة لهذه الوزارات، بما لا يسمح بعمل أو سرقة.
وإن كان منع السرقة نتيجة حميدة للتحركات الدائمة في الوزارات، وما يتبعها من خلخلة قيادات الهيئات، فإن توقف مواقع الإنتاج في الدولة، خاصة القطاعات الحيوية المرتبطة بالوطن والمواطن، تسبب فعلا في شلل مفاصل مهمة في عجلة التنمية المصرية، حيث ظللنا محكومين بتمرين "محلك سر".
فهل من سميع؟
barghoty@yahoo.com