لصوص الدعم في منظومة التموين الجديدة
قبل أشهر قليلة طرح على صديق، صاحب أحد المخابز بشرق القاهرة، عرضًا محيرًا "تحب بطاقة التموين والخبز الخاصة بك تضم 20 فردا بدلًا من 3 أفراد؟!"، وروى لى حكايات تشبه الأساطير حول كيفية سرقة الدعم المخصص للخبز والسلع التموينية من خلال لصوص جدد ضمتهم الحكومة ليكونوا "شركاء" في تطبيق منظومة الدعم الجديدة.
حتى طالعت على موقع "فيتو" مساء السبت، خبرًا مطابقًا لما جاء على لسان صديقى، نشرته الزميلة الصحفية نيرة عبد العزيز، عن القبض على "عصابة الدعم" بشرق القاهرة، وقيام مسئولين عن إدارة قاعدة بيانات المستفيدين بمنظومة الدعم بإحدى الشركات، التي استقدمتها الحكومة لتسيطر على أنظمة صرفه للمواطنين وأصحاب المخابز وبدالي التموين عبر ماكيناتها، باستخراج بطاقات صرف سلع تموينية مزورة لمواطنين وهميين أو متوفين، يحوزها أصحاب مخابز أو بقالو تموين، تضم عددا كبيرا من المستفيدين الوهميين بالدعم.
رواية الصديق أورد لي بها أن أفرادا بالشركة وآخرين يمكنهم إضافة "أي عدد" من الأشخاص الوهميين إلى بطاقات صرف السلع التموينية والخبز، حتى 20 فردًا للبطاقة الواحدة مثلًا، حال قيام صاحبها بسداد مبلغ من 10 إلى 20 جنيها لهم عن كل فرد "وهمي" مضاف للبطاقة، وهكذا تستطيع صرف أعداد أكبر من أرغفة الخبز يوميًا أو توفير نقاطها واستبدالها على هيئة سلع تموينية نهاية كل شهر، بخلاف صرف السلع التموينية المحددة لكل فرد بالبطاقة.
وقال أيضا إن أصحاب مخابز وبقالي تموين يمكنهم التعامل مع مسئولين متواطئين عن المنظومة، والحصول على بطاقات وهمية يسرقون بها الدعم باستخدامها عبر ماكينات صرف الخبز والسلع التي قدمتها لهم الشركة إياها، وبالتالي تظهر معاناة المصريين مجددًا في الحصول على الخبز المدعم لأن صاحب المخبز "اللص" سيكتفي بعدد ساعات أقل من العمل اليومي ويدخر أجولة الدقيق وينجز عملية الإنتاج رقميًا بـ"ضرب" البطاقات المزورة في الماكينات، وكذا سيفعل بقال التموين "الشِمال" مع السلع التموينية، ويطالب صاحب المخبز الدولة بفارق الدعم عن بيع رغيف الخبز بخمسة قروش بينما تكلفة إنتاجه 33 قرشا.
الخبر المنشور للزميلة الصحفية نيرة عبدالعزيز، يؤكد في المقابل أن المئات من البطاقات المزورة تم ضبطها "بالصدفة" في منطقة عين شمس شرق القاهرة، على خلفية تعامل الشرطة مع مشاجرة نشبت بين عائلات تمتلك مجموعة مخابز، انتهت تحقيقات النيابة بشأنها إلى تحديد متهمين من بين المسئولين عن شركة ماكينات صرف الدعم التي تدير بيانات المواطنين بالمنظومة، وأن بيانات وبطاقات المستفيدين الوهميين لا عقود أو أوراق رسمية وملفات لها بالوزارة.
تخيل حجم المصيبة في كم الثقة الحكومية اللامحدودة بمسئولي شركة خاصة تدير منظومة بعشرات المليارات مخصصة من قوت الشعب لدعم الخبز والسلع التموينية للمواطنين، وكيف أتمت أجهزة حكومية تعاقداتها معها؟!
أضف إلى المصيبة كارثة أكبر، فـ"بقالو" أو "بدالو" التموين يجبرون المواطنين أصحاب بطاقات الدعم، على سداد مبالغ أكبر من المطلوبة منهم رسميًا بالفاتورة المطبوعة عبر ماكينات الصرف، وتتراوح بين 3 و10 جنيهات وتزيد طبقًا لقدرة كل "بقال" على نهب ضحيته، وسط تواطؤ واضح من مفتشي التموين، جعل الأشد فقرًا يهربون لصرف السلع المقررة من المجمعات الاستهلاكية، فيما تصمت نقابة "مستقلة" مزعومة للبقالين على جرائمهم، وتكتفي الوزارة وأجهزتها بإنكار وجودها والتعامل معها.
أمام هذا الفساد المتفق عليه، ومع ضعف أداء الأجهزة الرقابية، لا نملك إلا القول إن وزير التموين الذي لا يعرف كيف يضع نظامًا شديد الصرامة لمراقبة وضمان وصول الدعم لمستحقيه، ولا يعي كيفية مواجهة ألاعيب لصوص قوت الشعب، عليه أن يصمت عن الكلام حول مشروعات جديدة لن نثق باستغلالها لغير اللصوص، قبل أن يخلصنا من أمثالهم في المنظومة التي تحولت مبكرًا إلى ثوب مرقع.