رئيس التحرير
عصام كامل

الأنبا يوحنا قلتة نائب بطريرك الكاثوليك: شيخ الأزهر.. «إمام الزاهدين»


  •  احترام العقل أساس التجديد في الخطاب الدينى
  •  بعض رجال الدين وراء تصدير خطاب الكراهية

يرى نائب بطريرك الأقباط الكاثوليك، يوحنا قلتة، أن بعض رجال الدين المسلمين والأقباط، يتحملون أوزار بعض التوترات التي قد تحدث هنا أو هناك، بسبب تبنيهم خطابا يحض على العنف والكراهية، معتبرا أن تجديد الخطاب الدينى عند الجانبين هو الأساس في تنقية الأجواء، وتطهير المجتمع من أدران التخلف والرجعية.

«قلتة» شدد في حوار مع «فيتو» على أن أقباط مصر لم يتعرضوا للاضهاد يوما، وأن الوحدة الوطنية بين طرفى الأمة واقع وحقيقة وليست افتراضا، كما أثنى على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، واصفا إياه بإمام الزاهدين.. وإلى نص الحوار:

> بداية.. شاركت مؤخرا في مؤتمر «من أجل مصر»، فما الهدف منه؟

ليس الهدف من المؤتمر اللقاء بين الإسلام والمسيحية أو اكتشافهما، فهذه مراحل متأخرة، وإنما الهدف الأول هو اكتشاف الإنسان المسلم والمسيحى، وما يجمع ويفرق بينهما، وأقصد هنا تصحيح المفاهيم المغلوطة التي ألصقت بالدينين، وهدف اللقاء أن يكتشف المسلم والمسيحى ما يجمعهما ويبنيان عليه.

> تتحدث دائما عن القواسم المشتركة بين الإسلام والمسيحية وضرورة تفعيلها، فما تلك القواسم؟
هناك قواسم كثيرة مشتركة بين الدين الإسلامى والدين المسيحى، أذكر منها أربعة أمور، وهى: الإيمان بالإله الواحد الأحد الصمد «لا إله إلا الله» فالمسيحى ينطق بها يوميا في صلاته، وما يشاع عن مفهوم الثالوث غير صحيح، وإنما شرح لوحدانية الله وليس تقسيما لله أبدا (أب وابن وروح قدس) فكيف يقسم الإله إلى ثلاثة؟! وهذا ليس ميراثا عن اليهودية والمسيحية والإسلام، وإنما منذ عصر الفراعنة، وقد حقق ذلك الدكتور محسن أحمد لطفى السيد في كتابه «الخروج إلى النهار» الحياة ظلمة والموت نهار والذي أطلق عليه المستشرقون المغرضون كتاب «الموتى»، فالفراعنة هم أول من نادوا بالخلود واحترموا الموت من خلال عبارة «الله الوجود قبل الوجود أنت الإله الواحد الأحد الصمد» وقالها الفرعون قبل موسى النبى بألف سنة.

أيضا تربطنا الإنسانية، حيث رفعت الأديان قيمة الإنسانية، فإنسان واحد عند ربه أغلى وأثمن من كنوز الدنيا، وتعاليم الدين الإسلامى تقول: من قتل نفسا فكأنه قتل الناس جميعا، وهذا تأكيد لقيمة الإنسان وكرامته، فما تفعله الجماعات الإرهابية وداعش على وجه التحديد، ليس له صلة بتعاليم الدين الإسلامى وإنما هو تشويه لقيمه الحسنة، وعلى كل حال، فالبشرية مرت بتلك الوحشية من قبل، فالعقاب في الصين كان يصل إلى حد وضع الإنسان بين حجرى الرحى قبل تدويرها حتى يفصل اللحم عن العظم، والرومان كانوا يعاقبون بالصلب، كما أننا مشتركون معا في عيش الحياة، وأخيرا حرية العقيدة.

> كيف ترى تجديد الخطاب الدينى على الصعيدين الإسلامى والمسيحى؟

ما يحتاج إليه تجديد الخطاب الدينى سواء في المسيحية أو الإسلام، شيء واحد وهو احترام عقلية الإنسان، وألا يكون خطابنا في الكنائس والمساجد حول الجنة والنار والثواب والعقاب، وهذا منحى واحد من مناحى الدين، فلماذا نغفل البقية؟! ولماذا لا نحض على النظافة والتنمية وبناء المجتمع والعدالة؟! فالتجديد في الخطاب الدينى يعنى أن نخرج من بوتقة وسجن العصور الوسطى سواء في المسيحية الشرقية أو الثقافة العربية الإسلامية، بمعنى إعادة صياغة الوجدان والعقلية المصرية والعربية.

> بصفتك مفكرا وروائيا.. حدثنا عن طبيعة العلاقة بين المسلمين والمسحيين في الصعيد كما ذكرتها في «قرية غرب النيل»؟

رصدت رواية «قرية غرب النيل» شكل العلاقة بين أسرتين مسلمة ومسيحية، وقد عايشت تلك الأحداث بالفعل، حيث كان الحاج فتحى يسكن بجوارنا ولم يكن يفصل الأسرتين سوى حائط، وكانت الطيور والدجاج التي كنا نربيها داخل بيوتنا هي من علمتنا معنى الوحدة والترابط الأخوى، فكان الدجاج يتحرك داخل البيوت دون أن نعرف دجاج من إلى أن اتفقنا على ذبح وأكل أي واحدة دون تمييز، فعشت في قريتى بسوهاج وسط المسلم الحق الذي سلم الناس منه، والمحب لدينه.

> وفى رأيك.. لماذا اختفت ثقافة التعايش بين أبناء الأمة الواحدة مؤخرا؟
السبب في ذلك التطورات الحضارية والاحتكاك بدول الخليج، والبترول وأسعار الدولار، هذا بالإضافة إلى انحصار دور رجل الدين، فلم تعد الناس تحترم رجال الدين سواء المسيحى أو الإسلامى، وأيضا تجمد عقول وثقافات القساوسة والشيوخ، دون أن تواكب متطلبات العصر، وهذه كارثة حقيقية، فهم يفرخون عقولا مشوهة، فلا المسيحى هو من يدخل الجنة وحده ولا المسلم هو من يدخلها وحده، فالله سيحاسب عباده بالعدل، فالسماء لا تعرف المحسوبيات التي نعيشها على الأرض.

> هل تتذكر موقفا ما مع أصدقائك المسلمين؟
أنا عاشق ومحب للشيخ أحمد الطيب، حيث يملك من الصفاء والزهد ما لا أستطيع وصفه، فهو كبير الزاهدين في هذا العصر، ويجسد صورة رائعة لعالم الدين الحقيقى، كما أذكر أستاذى بالجامعة، والذي كان يدعى يوسف خليف، ذلك المثال الحى للمسلم الخلوق الرقيق، وأشهد أنى لم أقابل شخصا في مثل نبله وصفاته.

> في رأيك.. ما المعتقدات التي وجب على كلا الطرفين تداركها وتغييرها؟
أعتقد أن الوجدان الإنسانى هو الشيء الأساسى الواجب تغييره وإعادة هيكلته وصياغته، فالمسيحى الشرقى ليس وارث الملكوت الإلهي، والله لا يمكن أن يكون قاصرًا على فئة بعينها.

> في رأيك.. كيف نستطيع القضاء على فكرة المتاجرة بالدين؟
يمكن هذا من خلال تغيير وإعادة هيكلة التراث والمعتقد العربي، إلا أن هذا التغيير من الصعب تحقيقه على أرض الواقع، لأن الشعوب العربية تعتز بتراثها وعقيدتها إلى حد كبير.
الجريدة الرسمية