توظيف أموال الطماعين في "فوركس" النتاشين
خلال أسبوع مضى طلب عدد من ضحايا "توظيف الأموال" مساعدتى لهم إعلاميا، بعد أن سيطرت عليهم قناعات تامة بإمكانية تأثير الإعلام على جهات تحقيق أمنية وقضائية تعطلت إجراءاتها تجاه بلاغاتهم ضد نصابين، واستمعت لحكايات وروايات مضحكة ومؤلمة في الوقت ذاته حول أسباب خروج مئات الملايين من جيوب المصريين إلى أرصدة اللصوص، دون أدنى مسئولية منهم تجاه حصيلة شقاء عمرهم التي هي من حق أبنائهم ووطنهم.
الطريف والمضحك في الروايات المتعددة أن قائمة "الطماعين" المنصوب عليهم تضم أصحاب مهن مرموقة وكذا "أبناء سوق" أو"إدارجية"، وتجارا وحرفيين، وربات بيوت ممن عانى أزواجهن الأمرين في الداخل والخارج لضمان مستقبل آمن لأبنائهم.
والأكثر طرفة أن طرق وأدوات النصب على ضحايا المحترف "أ"، تتطابق تمامًا مع طرق النصابين "ب" و"ج"، كما أن بعض ضحايا الأول قسموا أموالهم بينه وبين الثاني والثالث ضمانًا لعدم ضياعها والحصول في الوقت نفسه على عائد أكبر وأسرع، ناهيك عن حقيقة تُروى لك ولا ترد بأوراق التحقيقات والبلاغات أو حلقات التوك شو، وهى أن توظيف أموال عدد كبير من الضحايا كان في مضاربات "الفوركس" عبر وكلاء السحب والإيداع والمضاربة من النصابين، بينما بعض من حصلوا على أوراق تثبت علاقاتهم بهم لا يرددون كلامًا مطابقًا لمضمونها الصوري، وهو الاستثمار في العقارات أو الاستيراد والتجارة وخلافه.
لكن ملاحظات أخطر من المضحكات تثير الآلام والأوجاع حينما تستمع إلى روايات الضحايا، أرصدها في عجالة:
أولًا: أن بلاغات هؤلاء ترجع تواريخها لعدة أشهر دون سعى منهم للظهور إعلاميًا ربما أملًا في عدول "النصاب" عن مواقفه منهم.
ثانيًا: لم تنجز تحريات أمنية أو إجراءات قضائية أي حق لضحية إلا ببعض البلاغات التي تعرضت بعض برامج التوك شو لها من باب "سد الفراغ الإعلامي"، لدرجة دفعت ضحايا آخرين للاعتقاد بقوة تأثيرها على جهات التحرى والتحقيق.
ثالثًا: عينة المنصوب عليهم أو قل "الطماعين" تؤكد لك خطورة الانحدار الذي وصل إليه تفكير فئات تنتمى لنخب مجتمعية أو تقترب منها، وتطابق رؤى هؤلاء مع أفكار وسياسات عززت صعود الاقتصاد الريعى وما اختلقه من طبقات طفيلية لا تؤمن بغير الربح السريع الناتج عن غير جهد أو عملية إنتاجية تتسع لشرائح المستفيدين منها.
رابعًا: فقدان ثقة "قطاع عريض" من المصريين في النظام الاقتصادي المصري والسياسات المحركة له والحكومات المتعاقبة على تطبيقاتها، لدرجة ابتعاده عن الاستثمار في مشروعات خاصة أو قومية والتعاطى مع رؤية الدولة لفساد غزا دواوينها وعقول قائمين عليها، وتغييب الاعتراف بقطاعها المصرفي حال الابتعاد عن المخاطرة بدخول مشروعات غير مضمونة العائد لأسباب ذات صلة بفتاوى متخلفة تجرم التعامل مع البنوك.
خامسًا: انعدام ثقة هذا القطاع في المنظومة الأمنية واهتزازها بشدة تجاه المنظومة القضائية، لدرجة تجعل عقول بعض الضحايا ترجح فكرة الانتقام والتصفية لشريحة النصابين بدلًا من الصبر على إجراءات ملاحقتهم ومحاكمتهم.
سادسًا: ضعف تنظيم الضحايا أنفسهم في مواجهة أزماتهم وهى سمة تسيطر على فئات غير محدودة حتى باتت واضحة على شخصيات مصريين كُثر لا ينجزون شيئًا من التفكير السليم لإدارة الأزمات.
سابعًا: المبالغ التي خرجت من بيوت "الطماعين" إلى جيوب "النتاشين" ورغم تنوع عملاتها وقيمتها بين الجنيه والدولار واليورو، كان يمكن لأصحابها بدء مشروعات صغيرة ومتوسطة تحقق لهم ووطنهم الكثير، ومشروعات كبرى إذا أحسنوا البحث عن عمل "تعاوني" أو وفرت لهم الحكومات مناخًا لاستثمار حقيقي مبني على دراسات جدوى مناسبة يحتاجها الوطن، لكن مطامع هؤلاء ودهاء أولئك وغياب الصلة بين المصريين وحكوماتهم انتهى بنا إلى تلك المشاهد.
ثامنًا: أغلب "النتاشين" الذين استمعت إلى روايات ضحاياهم ينتمون لمجتمعات تضم شريحة كبرى من الطبقة الوسطى المتآكلة ولا تزيد مؤهلاتهم عن مهارات الاتصال واستثمار الإنترنت والتكنولوجيا في اختلاق صلة بين ضحاياهم وعالم الثراء الافتراضي، بخلاف تكرار سفرهم وصلاتهم أو تقربهم من شخصيات خليجية وأسر وعائلات حاكمة يرفض الضحايا كثيرا ذكر سيرتها.
أن بلدًا تفتقر سياساته لأسباب بقاء وسعادة شعبه، لا تزيد فرص وسبل الصعود الاجتماعي به عن اقتصاد "الفوركس" وقيم الرأسمالية التجارية التي لا تبنى صناعة ولا تُنبت زراعة، ولا تعترف طبقاته بغير عينة "النتاشين المستريحين" التي تفوق استثمارات المصريين طرفهم ما وضعوه بمشروع قناة السويس الجديدة، وتلك حقيقة ستكشف أرقامها الأيام تباعًا، أو يرفض "الطماعون" من الضحايا ظهورها أملًا في رحمة "النتاشين" ورأفتهم بهم.